في منتصف عام 2020، نُشرت دراسة أجرتها كلية لندن الجامعية، لتفسير أسباب ترقب معظم الناس لأخبار العطلات بالتحديد؛ وأظهرت أن “انتظار شيء بتلهف وشغف -كمكافأة أو إجازة- من أهم أسباب السعادة؛ بل غالبا ما يكون الترقب أكثر إثارة من الشيء المُنتظر نفسه”.
وقال الباحثون “إن المكافأة تكون أكثر جاذبية، عندما تكون مُنتظرة”، لأن الناس عندما يستمتعون باللحظات التي تسبق المكافأة، فإنهم يحصلون على فائدة إيجابية تُسمى “فائدة التوقع”. وهي التي “تُكسب الوقت -الذي نقضيه في انتظار الأشياء المُفرحة- قيمة، ويرتبط حجمها بقوة تخيل شكل الوقت السعيد القادم”.
وفسر العلماء هذا الفرح الشبيه بأحلام اليقظة، الذي نشعر به بمجرد اقتراب العطلة، وحتى قبل أن تبدأ؛ بتأثير ساحر صغير يُسمى “دوبامين”، يقبع في وسط دماغنا ليمنحنا الرغبة والدافع لفعل شيء ما عندما نشعر بالسعادة، ويحفزنا على الاستمتاع بالانتظار، فنجد أنفسنا سعداء لمجرد انتظار الأعياد. وعندما نعرف أن عطلتنا قادمة، يزيد من إفراز الدوبامين في دماغنا، ليمنحنا هذا الشعور المثير بالترقب.
وعرّفت دراسة عام 2016، الإبداع بأنه “التكيف مع التغييرات، وإنتاج أفكار جديدة ومفيدة؛ للمساعدة في حل المشكلات اليومية”.
كما أشارت إلى أن “المرونة المعرفية” تُعد الجوهر العقلي للإبداع، باعتبارها تشير إلى “القدرة على تجنب الحلول التقليدية وأنماط التفكير العادية، والتغلب على الجمود الوظيفي”.
ولاحظ الباحثون، بعد مرور أسبوعين على عودة 46 عاملا بشركة هولندية من الإجازة؛ “أن تفكيرهم كان متحررا من المحفزات السلبية، كما تحسنت مرونتهم المعرفية، وأصبح استخدامهم لأدوات العمل أكثر إبداعا”؛ مقارنة بأدائهم قبل أسبوعين من الإجازة.
وفسروا ذلك بأنهم كانوا يستغلون العطلة في كسر روتينهم اليومي، فيستيقظون ويأكلون في أوقات مختلفة عما اعتادوه؛ ويقضون وقتا أطول في الأنشطة الترفيهية.
وعلى العكس من ذلك كان المُجهدون من مواصلة العمل، يتبعون أنماط سلوك روتينية؛ لأن انتباههم ينصب على الضغط الواقع عليهم، مما يُقلل من وصول الأفكار الإبداعية إلى وعيهم.
وأكدت دراسة نُشرت عام 2021، أن الأشخاص لا يشعرون بالتعافي وتحسن الإبداع بعد إجازتهم مباشرة، ولكن بعد أسبوعين من انتهائها.
يُظهر العلم أن مستويات الإجهاد المرتفعة التي نتعرض لها خلال العمل على مدار العام، قادرة على التسبب في انخفاض كمية الدوبامين التي يتم إطلاقها، مما قد يتسبب في سلوكيات اكتئابية. أما الإجازة التي تحررنا من الإجهاد، فتساعد على إعادة التوازن إلى نظام الدوبامين.
ففي عام 2016، أوضحت دراسة ميدانية أن الإجازة من العمل تُخلص الموظفين من الإجهاد، وتوفر تربة خصبة لتحقق الأضلاع الثلاثة لمثلث للإبداع؛ وهي: تخفيف التوتر، وزيادة المشاعر الإيجابية، وتنويع الخبرات”.
وفي تقريرها الصادر عام 2017، ذكرت جمعية السفر الأميركية أن “2 من كل 3 مديرين تنفيذيين أميركيين، يعتقدون أن الإجازات تؤدي إلى زيادة الإبداع”.
وهو ما نسف الاعتقاد الشائع بأنه “كلما طالت مدة مثابرة الشخص في العمل بدون راحة، ازداد نجاحا”، وكشف زيف فكرة أن “الأشخاص الذين لا يقضون إجازتهم يتقدمون”.
وأظهرت دراسة نُشرت عام 2018، أن إجازة مدتها 4 أيام كان لها آثار إيجابية على الرفاهية والتعافي والإجهاد لمدة تصل إلى 45 يوما. في حين أوضحت أن الحد من الإجهاد كان أكبر بالنسبة لأولئك الذين قضوا الإجازة بعيدا عن المنزل.
كما ذكر مؤلفو الدراسة التي نُشرت عام 2021، أن مراجعتين منهجيتين قد أكدتا على الأثر الإيجابي للإجازات على صحة الموظفين ورفاههم، واتضح ذلك في مؤشرات مثل انخفاض الشكوى من الإرهاق وضعف النوم؛ وزيادة الرضا عن الحياة.
وقد ربطت الدراسات بين عدم أخذ الإجازات لفترة طويلة، وارتفاع مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية وأمراض القلب والأوعية الدموية وحتى الموت المبكر.
وذكرت الدراسة التي نُشرت عام 2021، أنه في المجتمعات الغربية، تُعد إجازة العمل المنتظمة جزءا لا يتجزأ من الحياة العملية، كما تُعد الإجازات بشكل عام عنصرا أساسيا من عناصر جودة الحياة.
لكن دراسة أجرتها جمعية السفر الأميركية، وجدت أن العمال الأميركيين لديهم 768 مليون يوم إجازة غير مستخدمة عام 2018.
وقالت مختصة علم النفس الأميركية، كاثرين ايشام، إن الناس في الولايات المتحدة يعملون لساعات أطول ويأخذون إجازة أقل، مما يتسبب في العديد من تحديات الصحة العقلية والبدنية.
وإن الإجازة القصيرة أو المرهقة أو سيئة التخطيط، لا تُحسّن مستويات الطاقة أو تقلل من التوتر، بل قد تقضي على فوائد قضاء الوقت بعيدا.
أما التخطيط المسبق للإجازة قبلها بفترة كافية، والابتعاد عن العمل، والشعور بالأمان، وبناء العلاقات الاجتماعية؛ “فجعل 94% من الإجازات تحقق نتائج جيدة من حيث تجديد الطاقة بعد العودة للعمل”.
فلا بد من التأكد من أن عطلاتنا فعالة حقا، من خلال تحررنا فعلا من ضغوط العمل بتجنب الاستمرار في المهام المُعلّقة، والرد على رسائل البريد الإلكتروني، وما شابه.
بالإضافة إلى أنه من الضروري منع عطلاتنا من خلق مواقف مرهقة جديدة لنا، ومحاولة استكشاف أماكن مختلفة، والاستمتاع بخوض تجارب مثيرة، وحتى تذوق أطباق جديدة.