لم يمنع نقص التزود بمادة السكر منذ أشهر في تونس تجار وسكان مدينة نابل من الاحتفاء برأس السنة الهجرية ككل عام بصنع عرائس السكر واقتنائها محافظين على عادات وتقاليد تتفرد بها المدينة.

وتعدّ عرائس السكر كما تُسمى في المنطقة، من بين أهم المهن التي توارثها أهالي المدينة الواقعة في شمال تونس منذ قرون.

وقال عبد القادر بيوض أحد تجار عرائس السكر إنه يعمل في صنع عرائس السكر وبيعها منذ سنوات مع إخوته وقبلها مع والده وجده.

واعتبر بيوض أن التحضير للسنة الهجرية يبدأ قبل أشهر عبر صناعة العرائس بأشكال متنوعة ثم تزيينها بألوان مختلفة لتلبي مختلف الأذواق.

وتركيبة عرائس السكر بسيطة تقتصر على المياه وروح الليمون والسكر، إلا أن تشكيلها صعب يتطلب حرفية وتوفر القوالب والأشكال التي يمكنها لفت انتباه المشترين.

وتحدث بيوض عن الصعوبات التي تواجه التجار وأبرزها شح السكر حجر الأساس في صناعة العرائس، وقال “اضطررت لشراء كميات السكر بثلاثة أضعاف سعرها الحقيقي من السوق السوداء حتى لا نقطع مع هذه العادة الجميلة”.

وتتشكل عرائس الحلوى أيضا على شكل حيوان مثل الأرنب والديك والأسد والحصان وهي أشكال يحبها الأولاد الصغار، عكس البنات الصغيرات اللاتي يفضلن اختيار أشكال العرائس.

وقالت حبيبة (19 سنة)وهي ابنة أحد باعة العرائس في قلب المدينة لرويترز إنها نشأت في محيط يمتهن صنع وبيع العرائس وهي فخورة بذلك.

وتابعت “هو جزء منا لا يمكن التخلي عنه بسهولة فهي عادة تدخل الفرحة والبهجة على الجميع دون استثناء” وأكدت أنها ستواصل مع أشقائها العمل في هذا المجال بالتوازي مع الدراسة.

وتطورت صناعة العرائس خلال السنوات الأخيرة وأفرزت تنوعا في الأشكال من سنة إلى أخرى بالإضافة إلى ظهور صناعة عرائس من الشوكولاتة.

وتحدثت حورية (62 سنة) وهي تختار عرائس السكر لأحفادها وما تيسر من الفواكه الجافة التي توضع في إناء من الفخار تتوسطه العروس (مثرد)، عن هذه العادة التي تعطي لنابل خصوصية مميزة.

وأشارت مبتسمة إلى عادة أخرى وهي تقديم الشبان المقبلين على الزواج خلال هذه المناسبة “مثرد رأس السنة الهجرية” كهدية لزوجة المستقبل، إذ يتم اختيار عروس سكر من الحجم الكبير وتزيينها لتقديمها في أبهى حلة لزوجة المستقبل.

 

موروث قديم

تعددت التفسيرات حول أصل هذه العادة المميزة ووصولها إلى مدينة نابل تحديدا.

وقال أنور المرزوقي وهو أستاذ جامعي في العلوم الاجتماعية والإنسانية إن عرائس الحلوى تعود إلى الدولة الفاطمية وبالتحديد إلى الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي السادس (وتمتد سنوات حكمه من 996إلى 1021 ميلادية) حيث كان السكان يحتفلون بالمولد النبوي الشريف بالحلوى في شكل فارس على حصان وعروس حبا وتقديرا للخليفة الفاطمي وزوجته.

وتابع المرزوقي في حديثه مع رويترز “أخذ سكان صقلية التي كانت تحت السيطرة العربية الإسلامية (من 831 إلى 1072) هذه العادة وأصبحوا يستعملون عرائس السكر في احتفالات عيد القيامة لما خرج العرب المسلمون من صقلية”.

وأضاف أنه وفي بداية القرن التاسع عشر هاجر آلاف الايطاليين من جزيرتي صقلية وبانتليريا إلى تونس هربا من الفقر والحرب وجلبوا معهم هذه العادة التي انتشرت في قرى ومدن محافظة نابل التونسية.

من جانبه أكد أحمد بوحنك عضو جمعية صيانة مدينة نابل على أن صناعة عرائس السكر متجذرة في تاريخ المدينة وموروث غذائي مهم.

وأوضح أنه قبل 18 سنة كادت هذه العادة تندثر فارتأت آنذاك الجمعية تنظيم مهرجان عرائس السكر لإحياء هذه الصناعة وحمايتها من الاندثار.

وقال بوحنك لرويترز إن مهرجان عرائس السكر يمثل في كل سنة فرصة لمزيد من التعريف بهذه العادة المميزة وصيانة الموروث الثقافي بالمنطقة.