للتنزه وسط المساحات الخضراء الواسعة وألوان الورود الزاهية، مع جمال السماء والشمس الساطعة، تأثير يختلف عن تأثير أي نوع آخر من محاولات الترفيه عن النفس، وهو تأثير يفوق مجرد الترويح عن النفس، إذ إن له العديد من الفوائد التي قد نغفل عنها.

ولا تتطلب الاستفادة من التأثير الإيجابي الفريد للطبيعة الكثير من المجهود، إذ أوضحت أستاذة علم النفس بجامعة ترينت الكندية ليزا نيسبت لموقع “الجمعية الأميركية لعلم النفس” (APA) أن “مجرد الوجود في الأماكن الطبيعة والتمشية قليلا يمكنهما تحسين حالتك المزاجية وتعزيز شعورك بالسعادة، حتى ولو لم يكن ذهنك حاضرا تماما ومنشغلا بشيء آخر”.

وتناولت العديد من الأبحاث تأثير المساحات الطبيعية على كافة نواحي حياتنا، وكيف أنه ليس فقط ممتعا، بل هو ضروري من أجل صحتنا الجسدية والنفسية والعقلية ولإعادة التوازن إلى حياتنا المزدحمة والمشتتة، ولا تزال الأبحاث مستمرة. تعرف على أهمية قضاء بعض الوقت في الطبيعة عليك وأسرتك.

فيما يلي نستعرض أبرز فوائد المشي في جو الطبيعة:

  • 1- تعزيز القدرات الإدراكية

أفادت دراسة أجراها مارك بيرمان، عالم النفس في جامعة شيكاغو، أن المساحات الخضراء بالقرب من المدارس ومنازل الأطفال تعزز التطور المعرفي وسلوكيات ضبط النفس لدى الأطفال.

كما أن العيش في أحياء ذات مساحات خضراء حسب الدراسة، والتعرض للطبيعة بشكل عام يحسن الوظائف الإدراكية مثل الذاكرة والانتباه، ويقوي الذاكرة، ويعزز المرونة المعرفية.

وحتى مجرد الاستماع لأصوات الطبيعة له تأثير إيجابي، حيث وجد بيرمان في دراسة أخرى أن المشاركين الذين استمعوا لأصوات من الطبيعة، كان أداؤهم أفضل بالاختبارات الإدراكية مقارنة بالآخرين الذين استمعوا إلى أصوات من المدينة مثل حركة المرور وضجيج المقاهي.

  • 2- تعزيز الشعور بالسعادة

وتناول الباحث والأستاذ المساعد في جامعة واشنطن، غريغوري براتمان، تأثير الطبيعة على الرفاه النفسي، ووجدت أبحاثه ارتباط الاتصال بالطبيعة بزيادة السعادة والرفاهية الذاتية والتفاعلات الاجتماعية الإيجابية والشعور بالغاية والمعنى في الحياة، وانخفاض الشعور بالضيق النفسي.

  • 3- تقليل مستويات التوتر

أشار واين جوناس، أستاذ في كلية الطب بجامعة جورج تاون، لموقع “سايكولوجي توداي” (Psychology Today)، إلى أن القيام بالأنشطة الجسدية بالمساحات الخضراء، مثل المشي والجري وركوب الدراجات، يؤثر إيجابيا على الصحة الجسدية بصور مختلفة.

وأوضح أن ممارسة هذه الأنشطة أو غيرها في الأماكن الطبيعة يخفف الإحساس بالألم الجسدي، ويحسن وظائف المخ، ويبطئ الشيخوخة وأمراض القلب، ويساعد على خفض هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر) ويقلل معدل ضربات القلب.

  • 4- المساعدة على الشعور بالرضا

وللطبيعة تأثير خاص يتجاوز مجرد تحسين المزاج أو الشعور بالسعادة المؤقتة، وهو ما أشارت إليه أليسون بريتشارد، الحاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس، حيث وجدت أبحاثها أن الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقة أقوى بالطبيعة يتمتعون بدرجات عالية من الرضا ولديهم مغزى من حياتهم.

  • 5- تقليل أثر الوحدة

يمكن الاتصال بالطبيعة أيضا أن يخفف التأثير السلبي الكبير للوحدة والعزلة الاجتماعية على الصحة النفسية والعقلية.

وفي استطلاع رأي أجراه وايت وزملاؤه، شمل حوالي 350 شخصا من سكان المملكة المتحدة، حول علاقاتهم الاجتماعية وارتباطهم بالطبيعة، أشار الاستطلاع إلى أن من يعانون من العزلة الاجتماعية -ولكن لديهم علاقة أكبر بالطبيعة، أبلغوا عن مستويات عالية من الرفاهية النفسية مقارنة بغيرهم.

  • 6- دعم المرونة النفسية

يعزز الانخراط مع الطبيعة المرونة النفسية، والقدرة على مواجهة صعوبات وضغوطات الحياة، والعودة إلى حالة نفسية أكثر استقرارا بعد التعرض للأزمات، كما يقلل احتمالية الاحتياج إلى أدوية علاج الاكتئاب عند المرور بفترات نفسية ضاغطة، حسب دراسة نشرتها “المكتبة الوطنية للطب” (National Library of Medicine).

ويساعد قضاء الوقت في الطبيعة أيضا على التأمل الذاتي والقدرة على إيجاد المعنى من الأزمات.

  • 7- الحماية من الأمراض المزمنة

أفادت دراسة -نُشرت في مجلة “آفاق الصحة البيئية” (Environmental Health Perspectives)- أن النساء اللائي يعشن في مناطق بها الكثير من المساحات الخضراء كان لديهن خطر أقل للوفاة بنسبة 12% مقارنة بغيرهن.

وأظهرت أبحاث أخرى -قامت بها كلية نيبون الطبية في اليابان- أن المشي في الأماكن الطبيعة وخاصة المساحات الخضراء والغابات يساعد على تعزيز الخلايا القاتلة الطبيعية “إن كيه” (NK) وهي نوع من خلايا الدم البيضاء التي تدعم جهاز المناعة وترتبط بانخفاض خطر الإصابة بالسرطان.

كما أن لهذه الخلايا دورا في مكافحة العدوى واضطرابات المناعة الذاتية، والحماية من أمراض القلب والسكري، كما ذكرت مجلة “تايم” (Time).

120 دقيقة

ولمعرفة كم من الوقت نحتاج قضاءه في الطبيعة للحصول على هذه الفوائد الفريدة، وجدت دراسة نشرتها مجلة “نيتشر” (Nature) شملت أكثر من 20 ألف شخص بالمملكة المتحدة أن قضاء ساعتين على الأقل خلال الأسبوع في أماكن طبيعية كان له تأثير إيجابي ملحوظ على الصحة الجسدية والنفسية.

ويمكن قضاء هذه الفترة في جلسة واحدة، أو تقسيمها على مدار الأسبوع.

وإذا لم تتمكن من قضاء كل هذا الوقت، قد تكفيك 15 دقيقة في الطبيعة، وهو ما وجدته دراسة قام بها مجموعة من الباحثين في فنلندا، حيث وجدوا أن المشاركين بدؤوا بالشعور ببعض التوازن نفسي بعد 15 دقيقة فقط من الجلوس في الحدائق أو الغابات.

الطبيعة بشتى صورها

ولا يقتصر التعرض للطبيعة الخروج في المناطق الخضراء فقط، إذ إن لبقية المظاهر الطبيعية من البحار والأنهار والجبال تأثيرا إيجابيا كبيرا أيضا، بينما أشارت دراسة علمية -نشرتها منصة “ساينس دايركت” (Science Direct) وبحثت مجموعة متنوعة من البيئات- إلى أن المساحات المائية يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي أكبر.

الواقع الافتراضي حل

وبينما للواقع تأثير أكبر بالطبع إلا أنه حتى بالنسبة لمن لا يستطيعون الخروج بسبب المرض أو أي شيء آخر، وجد ماثيو وايت أستاذ علم النفس البيئي بجامعة إكستر البريطانية أن التعرض للمناظر الطبيعة من خلال الواقع الافتراضي يمكن أن يكون بديلا مفيدا لمن لا يستطيعون الخروج في الهواء الطلق.