تعد لوحة الموناليزا اليوم واحدة من أشهر الأعمال الفنية في تاريخ البشرية، إن لم تكن الأشهر على الإطلاق، وهي أيضا أغلى لوحة في العالم، حيث تخطى سعرها حاجز مليار دولار، لكنها ليست للبيع لأن الحكومة الفرنسية تعدها إرثا وطنيا غير قابل للتداول.

أسباب شهرة الموناليزا لا حصر لها، ورغم أنها من النظرة الأولى تبدو مثل “بورتريه” تقليدي لامرأة عادية الجمال بمعايير جمال القرن 21، فإن تلك اللوحة البسيطة تحمل عشرات الأسرار والخفايا داخلها؛ الأمر الذي جعلها تحتل تلك المكانة الرفيعة بلا منازع.

تحتوي اللوحة -التي رسمها الإيطالي ليوناردو دافنشي- على العديد من المستطيلات والدوائر والمثلثات التي تحقق النسبة الذهبية؛ فهي ليست عملا فنيا يمكن التمتع به أو نقده من الناحية الجمالية فقط، بل هي عمل رياضي رفيع في المقام الأول.

والنسبة الذهبية في الرياضيات تتحقق عندما يكون مجموع عددين مقسوم على أكبرهما يساوي النسبة بين أكبر العددين إلى أصغرهما، وهو عبارة عن ثابت رياضي معرف تبلغ قيمته 1.618 تقريبا.

وتظهر النسبة الذهبية في الهندسة والفن والعمارة وفي الموناليزا نفسها، فإذا رسمنا مستطيلا حول وجه الموناليزا سنجد أنه يحقق تلك النسبة، وإذا قسمنا هذا المستطيل بخط يمر عبر عينيها إلى نصفين، سنجد أن المستطيلين الناتجين يحققان النسبة الذهبية مرة أخرى؛ أي أن نسبة طول رأسها إلى عينيها ذهبية.

عجائب العالم القديم

دافنشي ليس فريدا من نوعه في هذا الصدد، فقد ظهرت النسبة الذهبية جليّة في العديد من الأعمال المعمارية في العالم القديم، ويعد الهرم المصري الأكبر الذي شُيد بين عامي 2580 و2560 قبل الميلاد هو الأبرز في ذلك. ويمكن العثور على النسبة بقياس نسبة الارتفاع المائل للهرم إلى نصف البعد الأساسي وستكون النتيجة 1.61804، وهي تقريبا النسبة الذهبية.

أي أن المصريين القدماء عرفوا أن ارتفاع فجوة الهرم المربع يساوي ثلث محيطه، بل واستخدموا الكتابة الهيروغليفية ونبات اللوتس لتمثيل الأرقام المكونة من 10 أرقام للحصول على الكسر الصحيح (المعروف بالنسبة الذهبية). وتم تطوير هذه الرياضيات في المجتمع المصري القديم -من نحو 3000 سنة قبل الميلاد إلى 300 قبل الميلاد- خلال المملكة القديمة ومصر الهلنستية.

الموجة العظيمة

من أوروبا، مرورا بالشرق الأوسط، وصولا لآسيا، تعد لوحة “الموجة الكبيرة في كاناغاوا” مثالا آخر على الروعة التي تحققها النسبة الذهبية في الفن، واللوحة عبارة عن طباعة خشبية للفنان الياباني هوكوساي، تم إنشاؤها أواخر عام 1831، أثناء فترة إيدو من التاريخ الياباني، وتُصوِّر 3 قوارب تتحرك عبر بحر هائج، مع موجة كبيرة تشكل دوامة في الوسط وجبل فوجي مرئي في الخلفية.

يلتقط هذا العمل أحد الأشكال الحلزونية الأكثر شيوعا وحيوية في البحر، كل موجة في تلك اللوحة -بما في ذلك الموجة الكبرى- مرسومة وفقا للنسبة الذهبية، تماما كالموجات الحقيقية. ويتم التأكيد على الهندسة الأساسية للوحة عبر جبل فوجي الشبيه بالهرم في الخلفية ومن فوقهم السماء كمساحة مستطيلة ذهبية أخرى من الفضاء الفارغ المُعد لاستقبال ارتفاع الموجات التي توشك على الانقلاب على نفسها.

ليلة مرصعة بالنجوم

العصر الحديث لا يخلو كذلك من أعمال حققت النسبة الذهبية، وعلى رأسها لوحة الرسام الانطباعي الشهير فنسنت فان غوخ “ليلة النجوم” المرسومة عام 1889، والمعروضة في متحف الفن الحديث في مدينة نيويورك، ويقول عنها المتحف “هذه اللوحة مشهد رمزي مليء بالحركة والطاقة والضوء. هدوء القرية يتناقض مع طاقة الدوامات في السماء، الألوان المُطبَّقة بشكل كثيف، تخلق تأثيرا إيقاعيا يجعل اللوحة تبدو كأنها تتحرك باستمرار في إطارها الخشبي”.

هذه اللوحة الشهيرة مبنية على الدقة الخطية للنسبة الذهبية، حيث نرى موازنة في الثلث الأيسر من اللوحة، الذي تهيمن عليه الأشجار الداكنة المتمايلة في المقدمة، مع الثلث الأيمن الذي يصور قرية في الخلفية، لكن الحلزونات المرصعة بالنجوم في سماء الليل التي تسجل التدفق البدائي للمجرات هي الأخرى صورة دقيقة لتلك النسبة.