عام 1812، قاد نابليون بونابرت الغزو الفرنسي لروسيا، الذي اعتُبر كارثياً. فقد أُجبرت قواته على الانسحاب، وعانت من خسائر فادحة، بعدما تمت محاصرتها، وتسبب الجليد الروسي بقتل أعداد ضخمة منها؛ فكان ذلك بداية نهاية إمبراطوريته.

حدث ذلك بعد سلسلة انتصارات حققها نابليون بعد توليه حكم فرنسا عام 1799، منحته السيطرة على معظم أنحاء أوروبا، فضمّ بلجيكا وهولندا وأجزاء كبيرة من إيطاليا وكرواتيا وألمانيا.

وفي الوقت نفسه، أجبر كلاً من النمسا وبروسيا وروسيا على التحالف معه، كما كانت إسبانيا- إلى حدٍّ كبير- تحت هيمنته، رغم استمرار حرب العصابات في شبه الجزيرة الإيبيرية.

في الوقت نفسه، بقيت بريطانيا الدولة الوحيدة التي استعصت على الإمبراطور الفرنسي، ما دفعه لمعاقبة الإنجليز من خلال فرض حصارٍ اقتصادي عليهم عام 1806، عُرف باسم “النظام القاري”. لكن، لماذا قرر بونابرت غزو روسيا؟

أسباب الغزو الفرنسي لروسيا

مع نهاية عام 1810، توقف ألكسندر الأول (حاكم روسيا) عن الامتثال لأوامر نابوليون في ما خصّ الحصار الاقتصادي على بريطانيا، لا سيما أن ضرره كان كبيراً على التجارة الروسية وعلى قيمة عملة الروبل.

فتجرأ القيصر الروسي بفرض ضريبةٍ على السلع الفرنسية الفاخرة، بالتزامن مع رفضه محاولة نابليون بالزواج من إحدى شقيقاته. فشعر الإمبراطور الفرنسي بالغضب، وسرعان ما قرر محاربة ألكسندر الأول، رغم أنه كان ينظر إلى روسيا كحليفٍ طبيعي.

وفي العام 1812، جمع نابليون جيشاً ضخماً قُدّر بحوالي نصف مليون جندي (أقلّ أو أكثر بقليل) كما ضمّ قوات عسكرية من معظم أنحاء أوروبا بهدف مواجهة الجيش الروسي، الذي كان يبلغ تعداده نحو 200 ألف عسكري.

كان الإمبراطور الفرنسي يريد تحقيق انتصارٍ عسكري سريع يُجبر ألكسندر الأول على التفاوض معه، وكان يدرك جيداً أنه لن يحارب الروس فقط، بل سيكون أيضاً في مواجهة طقسها القاسي. لذلك قرر أن يغزوها مع بداية الصيف.

دخلت الكتائب الأولى لجيش نابليون إلى الأراضي الروسية يوم 24 يونيو/حزيران 1812، فانسحب الجنود الروس من مواقعهم؛ وفي غضون 3 أيامٍ فقط، كانت القوات الفرنسية قد استولت على مدينة فيلنا (التابعة حالياً لدولة ليتوانيا).

ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ فقد ضربت عاصفة رعدية قوية المدينة في الليلة التي احتلها الجنود الفرنسيون، وحملت معها الأمطار المُتجمدة والصقيع، ما تسبب بموت عددٍ كبير من الجنود، وفرار آخرين بحثاً عن الطعام.

ووفقاً لموقع History، فقد احتفظ نابليون بتفاؤله رغم البداية المتشائمة، وقال لمستشاريه الرئيسيين: “لقد جئت إلى هنا للقضاء وإلى الأبد على هؤلاء البرابرة الشماليين. يجب إعادتهم إلى جليدهم حتى لا يتدخلوا طيلة الـ25 سنة المقبلة، في شؤون أوروبا المتحضرة”.

الطقس واستراتيجية الأرض المحروقة أنهكا فرنسا

اعتمد القيصر الروسي استراتيجية “الأرض المحروقة”، لإنهاك الجيش الفرنسي ومنعه من الحصول على التموين اللازم الذي قد يساعده في الصمود، وللتأثير سلباً على معنوياته.

ففي يوليو/تموز، انسحب الجنود الروس أيضاً من مدينة “فيتيسك”، بعد أن أحرقوا مستودعاتها العسكرية وجسرها الاستراتيجي؛ ثم انسحبوا من مدينة “سمولينسك”، بعدما أحرقوها، وأحرق الفلاحون محاصيلهم الزراعية، لتفادي وقوعها بين أيدي الفرنسيين.

تزامن ذلك مع ارتفاعٍ شديد في درجات الحرارة خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب؛ ما تسبب في إصابة عددٍ كبير من الجنود الفرنسيين بأمراضٍ تنتقل بواسطة الحشرات، مثل مرض “التيفوس”، والأمراض المرتبطة بالمياه غير الصالحة للشرب، مثل “الزحار”.

لم ينظم الجيش الروسي صفوفه بشكلٍ جيد حتى معركة بورودينو في سبتمبر/أيلول 1812، حين تقاتل الجيشان بنيران المدفعية، ما أسفر عن خسائر فادحة أصابت الطرفين؛ يُقال إن هذه المعركة وحدها تسببب بقتل نحو 100 ألف جندي.

فضّل الروس الانسحاب من المعركة في اليوم التالي، فدخل الجيش الفرنسي إلى العاصمة موسكو في 14 سبتمبر/أيلول، بعدما أحرقوها كما فعلوا في مدنٍ سابقة. ولكنهم تركوا هذه المرة كمية كبيرة من الخمور، فوقع الفرنسيون في الفخ وأمضوا ليالي طويلة يشربون الخمر.

وخلال شهر، بدأت العواصف الثلجية في ضرب موسكو، فقرر بونابرت الخروج من العاصمة، بعدما أيقن استحالة بقاء جيشه على قيد الحياة خلال فصل الشتاء؛ لاسيما أنه لم يتبقَّ سوى 100 ألف جندي على قيد الحياة.

خطط للانسحاب نحو الجنوب، لكن قواته اشتبكت مع الجيش الروسي في مدينة “مالوياروسلافيتس” بعدما أعاد تنظيم صفوفه، فأُجبرت على العودة إلى الوراء.

كانت طريق العودة مُنهكة لجنود نابليون الذين كانوا يتعرضون لهجومٍ مستمر من الروس، ومنهكة للخيول أيضاً التي كانت تنفق بشكلٍ جماعي. وقد ازداد تأزم الوضع لما حلّ الشتاء قبل موعده، حاملاً معه رياحاً عاتية وثلوجاً كثيفة وصقيعاً.

تسبب الطقس في موت آلاف الفرنسيين، وتقول بعض المراجع إن الحالة الكارثية التي عاشها الجنود وقتئذٍ بلغت إلى حد أنهم كانوا يمزقون أجساد الحيوانات النافقة، حتى يدخلون إليها ويشعرون ببعض الدفء.

استمر الوضع على ما هو عليه حتى ديسمبر/كانون الأول، حين سلّم نابليون بونابرت قيادة الجيش لصهره الماريشال يواكيم مورات، وعاد مُسرعاً إلى باريس بعدما راجت شائعات حول محاولة انقلابٍ ضد عرشه.

أما جنوده، فقد عبروا نهر نيمان عائدين إلى فرنسا، بعدما تعرضوا لأول وأكبر هزيمة لهم في أوروبا.

بداية نهاية إمبراطورية نابليون 

بعد تلك الهزيمة، انضمت النمسا وبروسيا والسويد إلى روسيا وبريطانيا، في القتال ضدّ نابليون. ورغم أن الإمبراطور الفرنسي كان قادراً على تكوين جيشٍ ضخم، إلا أنه كان يفتقر إلى الفرسان المتمرسين والجنود ذوي الخبرة.

حقّق في البداية بعض الانتصارات ضدّ أعدائه، قبل أن يتعرض لهزيمةٍ ساحقة في أكتوبر/تشرين الأول 1813 في معركة لايبزيج بألمانيا، على يد التحالف الأوروبي، الذي استولى على باريس في مارس/آذار 1814.

وفي 6 أبريل/نيسان 1814، أُجبِرَ -وهو في منتصف الأربعينيات من عمره- على التنازل عن العرش. وبموجب معاهدة “فونتينبلو”، نُفِيَ بونابرت إلى جزيرة إلبا في البحر المتوسط، قبالة شواطئ إيطاليا.

وبعد أقل من عامٍ واحد فرَّ نابليون من جزيرة إلبا، وأبحر إلى البر الرئيسي في فرنسا. ووفقاً لكتاب فرانك ماكلين عن نابليون، عاد الإمبراطوري إلى باريس في 20 مارس/آذار، حيث سعى لاستعادة الأراضي التي فقدها في أوروبا.

خاض حرب المئة يوم، ولكنه في الحقيقة كان يتجه إلى الهاوية أكثر، لا سيما أنه تعرض لهزيمة نكراء جديدة في معركة “واترلو” أمام جيشَي بريطانيا وبروسيا.

كانت تلك الحملة الفرنسية الفاشلة بداية النهاية لطموحات بونابرت، الذي تنازل عن العرش في 22 يونيو/حزيران بعد أن طاردته قوات التحالف إلى باريس. وبذلك، تكون قد انتهت حرب المئة يوم بخسارة فادحة لنابليون.

سقطت باريس بأيدي التحالف، قبل أن يسلّم بونابرت نفسه في 15 يوليو/تموز على ظهر سفينة “بلروفون”، التي أبحرت به إلى بريطانيا.