صحيح أن هذه الصورة من القرن الـ16 اشتهرت بفضل ابتسامتها الغامضة، وللغموض المحيط بشخصيتها، ولكونها رسمت بواسطة ليوناردو دا فنشي، لكن العامل الذي ساعد في شهرتها الحالية يعود إلى جريمة سطو ارتكبت قبل أكثر من 100 عام.

قصة السرقة

حدثت السرقة تلك يوم 21 أغسطس/آب 1911، حين سُرقت اللوحة من متحف اللوفر في باريس. وكان اللص رجلا إيطاليا يدعى فينشنزو بيروجيا، يعمل عامل نظافة في المتحف، لذلك تمكن من الاختباء في خزانة حتى إغلاق المتحف، ثم أزل اللوحة من إطارها، وخرج بها من المتحف مخبأة تحت معطفه.

ومر أكثر من 24 ساعة قبل أن تكتشف إدارة المتحف أن اللوحة قد اختفت، إذ لم يكن هناك أي نظام إنذار فعال في المكان، كما كانت حماية المتحف في الليل غير كافية، وهذا هو حال تأمين المتاحف في ذلك الوقت، كما اكتشف اختفاؤها صدفةً، وذلك لأن الأعمال الفنية غالبا ما كان تتم إزالتها لتصويرها أو تنظيفها.

لم يتخيل أحد أن هذا الحادث سيجعلها واحدة من أشهر اللوحات الفنية على الإطلاق، مع جهود الشرطة التي باءت بالفشل في إيجادها طوال عامين من عمليات التحقيق والبحث، إذ أصبحت خلالهما محل تغطية إعلامية كبيرة، وفقما أشار موقع “أرشيف الجريدة البريطانية” (The British News Paper Archive).

في البداية أصبح الحادث محل تغطية الصحافة الفرنسية التي أخذت في السخرية من الحكومة التي كانت تتولى إدارة المتحف، ثم تصدر الحادث صفحات الصحف الدولية، حيث كتبت عناوين مثل “سرقة أعظم لوحات دافنشي”، كما أفادت صحف مثل “نيويورك تايمز” (The New York Times) بأن “60 محققا يبحثون عن موناليزا المسروقة” وأن “الجمهور الفرنسي غاضب”.

ولأول مرة في تاريخه، ظهرت طوابير أمام المتحف اللوفر لمجرد رؤية المكان الفارغ الذي كانت اللوحة معلقة فيه. إذ قال أستاذ تاريخ الفن ومؤلف كتاب “سرقات الموناليزا” (The Thefts of the Mona Lisa) نوح تشارني لشبكة “سي إن إن” (CNN) الأميركية “لو تمت سرقة أحد أعمال ليوناردو الأخرى، فإنه كان سيكون العمل الأشهر في العالم، وليس الموناليزا”.

وأضاف تشارني “صحيح أن اللوحة كانت عملا جيدا للغاية لفنان شهير، لكن لم يكن هناك شيء يميز هذه اللوحة في حد ذاتها حتى تمت سرقتها. هذه السرقة هي ما جعل شهرتها تتصاعد وتصبح اسما معروفا في كل بيت”.

كان بابلو بيكاسو من أوائل المشتبه فيهم، لكن لم يكن للرسام علاقة بالجريمة، كما تم إحضار الشاعر غيوم أبولينير للاستجواب، ولم تشر تحقيقات الشرطة الفرنسية إلى معلومة عن اللوحة أو هوية سارقها، كما أوضحت صحيفة “الغارديان” (The Guardian) البريطانية.

بعد عامين على حادث السرقة، وتحديدا في عام 1913، تلقى تاجر فنون في فلورنسا بإيطاليا رسالة من رجل يقول إنه يحمل لوحة الموناليزا، وكانت الرسالة موقعة باسم “ليوناردو”، لكن الرجل كان هو بيروجيا. وقد تم ترتيب اجتماع مع التاجر ومدير معرض أوفيزي في فلورنسا، وقد حضر بيروجيا (32 عاما آنذاك) ومعه اللوحة التي ظلت مخبأة في صندوق في شقته طوال العامين.

تم اعتقال السارق وحكم عليه في النهاية بالسجن لمدة 7 أشهر، لكن الغريب أن السارق كان يعتبر نفسه بطلا وطنيا، إذ أراد للوحة أن تعرض في بلد دافنشي وبلده.

وبعدما أعيدت اللوحة إلى متحف اللوفر، تبيّن أن السرقة أسهمت في إضفاء المزيد من الشهرة عليها ورفعها إلى مستوى الأعمال الفنية الأيقونية.

واليوم؛ يقول معظم زائري متحف اللوفر الفرنسي إنهم يزورونه لرؤية هذه اللوحة، إذ أشارت شبكة “سي إن إن” إلى أن اللوحة ساعدت في جذب أكثر من 9.7 ملايين زائر إلى المتحف في باريس في عام 2012.

أغلى عمل فني

في  عام 2014، صدر اقتراح يفيد بأن بيع اللوحة يمكن أن يساعد في تخفيف الدين المحلّي الفرنسي، مع أن بيع “الموناليزا” وغيرها من الأعمال الفنية المماثلة محظور بموجب قانون التراث الفرنسي، والذي ينص على أن “محفوظات المتاحف التي تنتمي لهيئات عامة تعتبر ملكية عامة ولا يمكن أن تكون غير ذلك”.

ومنذ ديسمبر/كانون الأول 1962 حتى مارس/آذار 1963، عرضت الحكومة الفرنسية اللوحة بمدينتي نيويورك وواشنطن دي سي. وفي نيويورك، زارها نحو 1.7 مليون شخص، انتظروا في طوابير لإلقاء نظرة سريعة لم تتعد 20 ثانية على الموناليزا. وفي عام 1974، عُرضت اللوحة في طوكيو وموسكو.

قبل هذه الجولة، تمّ تقييم اللوحة بحوالي 100 مليون دولار أميركي لتأمينها. وبتعديل القيمة وفقا لمعدلات التضخم حسب مؤشر أسعار الاستهلاك الأميركي، فإن هذه القيمة في عام 1962 تساوي نحو 800 مليون دولار في عام 2019، مما يجعلها عمليًّا أغلى لوحة فنّية بالعالم.

وبالطبع، أصبحت اللوحة مثل جميع القطع الفنية بالمتحف محاطة بصناديق زجاجية واقية ومضادة حتى للرصاص.