بعد مسيرة فنية تجاوزت 40 عاما، نتج عنها عشرات الأعمال الفنية بين التمثيل والكتابة والإنتاج، فاجأ النجم برايان كرانستون مُحبيه بنبأ غير سار، إذ أعلن نيته التقاعد رسميا والابتعاد عن دوائر الضوء خلال 3 أعوام، وتحديدا في 2026.
كرانستون الذي اشتهر بدور والتر وايت في مسلسل “بريكنغ باد” (Breaking Bad)، أعلن نيته الاعتزال في مقابلة أجراها مؤخرا مع مجلة “جي كيو” (GQ)، وهو القرار الذي علله بحاجته لقضاء المزيد من الوقت رفقة أسرته، خاصة زوجته روبن التي رافقته رحلة قاربت الربع قرن، ظلت خلالها تُسانده في الظل.
ومع كل تحد واجهه، كانت روبن تقوم بتعديل حياتها بما يتناسب مع متطلبات عمل كرانستون، مما ساعده على التقدم للأمام وتحقيق الكثير من النجاحات، والآن حان موعد رد الدَين والمساواة بين الكَفتين، ولهذا قرر التفرّغ والاستمتاع برفقتها.
وبقدر ما أحزن هذا الخبر القاعدة الجماهيرية لكرانستون، فإن ابتعاده بالتدريج قلل من وطأة الأمر. ووفقا لتصريحات كرانستون، ما زال عليه الانتهاء من المشاريع المتبقية بحوزته، سواء في ما يتعلق بالتمثيل أو الإنتاج قبل إغلاق شركته الإنتاجية وبيع حصته بشركة “دوس هومبريس” (Dos Hombres) التي أسسها رفقة النجم آرون بول للاستثمار.
وبعد تحقق ذلك، سيسافر على الفور مع زوجته إلى فرنسا للعيش في قرية صغيرة لمدة لا تقل عن 6 أشهر، على أمل قضاء أول السبعينيات من عمره هناك، بينما يُركز على الاستماع إلى مشاعره والاستمتاع رفقة زوجته، بالإضافة إلى تعلّم لغات ومهارات جديدة من بينها الفرنسية والطبخ والبستنة، دون أن تسرقه من ممارسة الحياة قراءة النصوص والسيناريوهات التي اعتاد الانكفاء عليها.
وترجع علاقة كرانستون بالتمثيل إلى طفولته، فوالدته ممثلة إذاعية، أما والده فكان ممثلا ومنتجا يسعى خلف حلمه بالتمثيل، غير أن طموحه كان أكبر من موهبته، مما أصابه بخيبة أمل تبعها انفصاله عن زوجته، وهي الأزمة التي احتاج كرانستون عدة سنوات لتخطيها.
مع وصوله سنّ المراهقة، وتحديدا السادسة عشرة، قرر الحصول على درجة العلوم السياسية والاجتهاد ليصبح شرطيا، لكن حاجته لوظيفة جانبية تُعينه خلال دراسته الثانوية جعلته يتجه إلى التمثيل والعمل في المسرح.
وما إن أنهى دراسته الثانوية عام 1976 حتى انطلق في رحلة رفقة شقيقه استمرت عامين، بعدها استقر الاثنان في ولاية كاليفورنيا لشق طريقهم بعالم التمثيل، وعلى خلاف والده، قَبِل كرانستون كل الفرص التي أُتيحت له مهما بلغ صغرها، مثل الإعلانات والأدوار التلفزيونية المتواضعة.
أول طريق الشهرة
ورغم أن كرانستون بدأ مشواره التمثيلي عام 1980، وشارك في عدة حلقات من مسلسل “ساينفلد” (Seinfeld)، فإن شهرته لم تتحقق سوى عام 2000 مع انطلاقة المسلسل الأميركي الكوميدي “مالكولم في المنتصف” (Malcolm in the Middle) الذي حاز على 7 جوائز إيمي واستمر طوال 7 مواسم امتدت حتى 2006.
وفيه جسّد فيه كرانستون دور الأب ضمن أسرة متوسطة الدخل مكونة من زوجة و5 أبناء، أحدهم متقد الذكاء على خلاف باقي أفراد عائلته، وهو ما ينتج عنه الكثير من المواقف الطريفة والمغامرات غير المتوقعة.
أسطورة والتر وايت
أما الانطلاقة الكبرى في تاريخه والتي أهّلته ليصبح أحد أهم نجوم هوليود، فكانت في مسلسل “بريكينغ باد” (Breaking Bad) الذي لعب فيه شخصية والتر وايت، مدرس الكيمياء الذي يُشخّص بسرطان الرئة، فيقرر مخالفة مبادئه وطهي مخدّر الميث من أجل الثراء السريع وترك مال كاف لعائلته بعد وفاته.
صدر المسلسل بين 2008 و2013، وقيّمه الجمهور بمنحه 9.5 نقاط على موقع “آي إم دي بي” (IMDb) الفني، كذلك احتل المرتبة الثانية ضمن قائمة الموقع نفسه لأفضل 250 عملا تلفزيونيا في التاريخ، قبل أن يفوز بمئات الجوائز من بينها 16 جائزة إيمي، جاء نصيب كرانستون وحده منها 4 جوائز عن “أفضل ممثل رئيسي بمسلسل درامي”.
وبسبب هذا النجاح الطاغي، كان من البديهي أن تفتح هوليود ذراعيها لكرانستون، ليقدم أفلاما ناجحة تُخلّد اسمه في تاريخ السينما، مثل فيلم السيرة الذاتية “ترامبو” (Trumbo) الذي رُشّح عنه لجائزة أوسكار أفضل ممثل، وفيلم الإثارة المقتبس عن قصة حقيقية “أرغو” (Argo)، والفيلم الدرامي الكوميدي “الجانب المشرق” (The Upside).
يُذكر أن آخر ما قدمه كرانستون للتلفزيون كان مسلسل “فخامتك” (Your Honor) الذي ترشّح لجائزة بافتا البريطانية، وهو عمل درامي من فئة الجريمة والإثارة، مُكوّن من موسمين عُرضا بين 2020 و2023.
ويتمحور المسلسل حول قاض لطالما وقف في صف العدل مهما كانت العواقب، ثم فجأة يجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه، حين يرتكب ابنه جريمة قتل ويهرب، فهل سيحمي ابنه أم ينتصر للعدالة كعادته؟
أما في السينما، فشارك كرانستون بفيلم “مدينة الكويكب” (Asteroid City) الذي سيُطرح للعرض هذا الشهر، وهو من تأليف وإخراج ويس أندرسون، وشارك في بطولته توم هانكس وسكارليت جوهانسون ومارغوت روبي وتيلدا سوينتون وإدوارد نورتون وأدريان برودي وويليام دافو وستيف كاريل.
تدور أحداث العمل في عام 1955 بمدينة صحراوية أميركية خيالية، حيث يتعرّض العالم لظاهرة غير متوقعة تُبدّل مسار الأبطال وحياتهم، فماذا هم فاعلون؟