أثار فيلم كليوباترا الذي عرضته نتفليكس كثيراً من الجدل حول لون بشرة الملكة، إذ صورها الفيلم على أنها كانت سوداء. بطبيعة الأحوال هذا ليس الجدل الأول من نوعه فلطالما صورت السينما كليوباترا بصور لا تشبه حقيقتها، فعمدت إلى تقديمها إلى الجمهور على أنها ملكة فائقة الجمال، وهذا لم يكن صحيحاً.

عموماً، شكل كليوباترا ليس الاعتقاد الخاطئ الوحيد الذي نقلته لنا السينما عن المصريين القدماء ومصر القديمة.. إليكم 9 من أبرز المعلومات الخاطئة التي لا يزال البعض يصدقها حتى يومنا هذا:

العبيد بنوا الأهرامات

في فيلم “The Ten Commandments” الصادر عام 1956، نرى مشاهد المستعبدين وهم يجُرُّون كتل الحجارة من أجل بناء الأهرامات بينما يتعرَّضون للجَلْد من سادتهم.

يعتقد المؤرخ اليوناني هيرودوت أن 100 ألف من العبيد شيدوا الهرم الأكبر. وحظي وصفه للرجال والنساء والأطفال الذين كانوا يكدحون في أقسى الظروف، بشعبية كبيرة بين منتجي الأفلام الحديثة، مثل فيلم “The Ten Commandments” الصادر عام 1956، والذي يصور المستعبدين وهم يجُرُّون كتل الحجارة من أجل بناء الأهرامات بينما يتعرَّضون للجَلْد من سادتهم. ولكن هذا ليس صحيحاً.

تشير الدلائل الأثرية إلى أن مَن بنى الهرم الأكبر في الواقع قوة عاملةٌ قوامها 5 آلاف موظف دائم كانوا يتلقون رواتب وما يصل إلى 20 ألف عامل مؤقت.

كان هؤلاء العمال رجالاً أحراراً استدعوهم بموجب نظام السخرة المؤقَّت الخاص بالخدمة الوطنية للعمل لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر في موقع البناء قبل أن يعودوا إلى ديارهم.

كانوا كذلك يسكنون في معسكر مؤقت قريب من الهرم، حيث كانوا يتلقون أجوراً في شكل طعام وشراب وعناية طبية، إضافة إلى دفن أولئك الذين قضوا أثناء الخدمة في المقبرة القريبة.

ويضيف عالم المصريات فويتشيك إزموند لموقع Business Insider الأمريكي، أن المصريين القدماء لم يتعاملوا مع بعضهم البعض بالعملات، بدلاً من ذلك من المرجح أنَّ المصريين كانوا يدفعون ضرائبهم في صورة خدمات وليس مالاً. وهذا يعني أنَّ البعض سيُقدِّم حبوباً أو منتجات، والبعض الآخر سيبني الأهرامات.

Shutter Stock/ الأهرامات
Shutter Stock/ الأهرامات

كليوباترا كانت فائقة الجمال

فازت كليوباترا السابعة، آخر ملكات مصر القديمة، بقلبَي يوليوس قيصر ومارك أنتوني، وهما من أهم رجال روما. لذا، من المؤكد أنها كانت رائعة الجمال.

لكن يقول إزموند إنَّه لا يوجد دليل ملموس يدعم فكرة أنَّ كليوباترا كانت رائعة الجمال كما يروج لها في السينما.

وأضاف: “ليس لدينا أي أسباب للاعتقاد بأنَّها كانت فائقة الجمال”، ولو أنَّها ربما كانت ساحرة وذكية.

وقال إنَّ أسطورة جمالها يمكن أن تكون جزءاً من الدعاية الرومانية.

وأضاف: “أراد الرومان إظهارها باعتبارها امرأة قاتلة تغوي المواطنين الرومان الطيبين وتجُرُّهم إلى نمط الحياة الشهواني والفاسد للطاغية الشرقية”.

المصريون القدماء اعتقدوا أنَّ مومياء الفرعون يمكن أن تنهض من الموت

مع أنَّ نهوض المومياوات من الموت عنصر أساسي لأفلام الرعب، فإنَّ المصريين على الأرجح لم يعتقدوا أنَّ هذا سيحدث في الحياة الواقعية.

يقول إزموند: “من الناحية الرمزية، الفرعون لم يمت قط. لكن دعونا نكن صادقين، الأمر رمزي بالطبع. ففي الحقيقة، الناس يرون أنَّه يضعف”.

مع ذلك، اعتقد المصريون بالفعل أنَّ الموتى يمكن أن يؤثروا على الأحياء.

فقال: “على سبيل المثال، إذا ما عُومِلَ جسد أحدهم بطريقة سيئة بعد الموت، أو لم يتلقَّ الدفن أو حقوق الجنازة اللائقة، يمكن أن يتسبب هذا الشخص بالحوادث أو أمور سيئة عديدة لأفراد أسرته أو أسرتها”.

المومياوات المحنطة / shutterstock
المومياوات المحنطة / shutterstock

القرابين البشرية كانت شائعة

من المجازات الشائعة عن مصر القديمة أنَّ الخدم كانوا يُدفَنون أحياءً أو يُقتلون مع فرعونهم حتى يرافقوه في موته.

لربما حدث هذا بالفعل في مرحلة ما بالتاريخ المصري القديم، لكنَّه على الأرجح كان لفترة قصيرة للغاية.

فقال إزموند: “لربما كانت هنالك تضحية بشرية خلال الأسرة الأولى”.

فمقابر فراعنة الأسرة الأولى محاطة بمئات من المقابر الأصغر لأناس في عمر 14-25 عاماً. وأن يموتوا كلهم في نفس وقت موت الفرعون أمر بالفعل مثير جداً للشكوك.

مع ذلك، قال إزموند إنَّه “لم يُعثَر قط على علامات واضحة على العظام أو في أي مكان لتأكيد هذا. لذا، ما يزال هذا الموضوع غير محسوم”.

وأضاف إزموند أنَّه سواء كانت هناك تضحيات “خلال الأسرة الثانية أو لا، فهي مسألة خاضعة للنقاش، لكنَّها تبقى مقنعة. ولا يوجد دليل على التضحية البشرية بعد ذلك”.

يعني هذا أنَّه ربما كانت هناك تضحيات على مدار فترة تمتد 400 عام، في حين حكم المصريون القدماء لنحو 3 آلاف عام.

الهدف من التحنيط هو حفظ الجثث

من الأفكار الشائعة عن مصر القديمة أنَّ التحنيط كان يهدف إلى حفظ الجثث، لأنَّها كانت مرتبطة بالفرعون بعد الموت.

لكن هناك مجموعة من علماء المصريات يجادلون بأنَّ التحنيط لم يكن يهدف إلى حفظ الجثث. بل يقولون إنَّه كان يهدف إلى إعادة جسد الفرعون إلى شكله الصحيح: شكل تمثال.

ويقول علماء المصريات إنَّه ربما كان يُنظَر إلى التماثيل باعتبارها امتدادات للآلهة على الأرض.

وقال كامبل برايس، أمين متحف مانشستر في المملكة المتحدة، والذي نشر كتاباً عن هذه النظرية، سابقاً للموقع الأمريكي، إنَّه من وجهة النظر هذه، “لم يكن إنتاج صورة تشبه الحياة، صورة يمكن التعرُّف عليها، هي في الحقيقة الهدف بالأساس مطلقاً”، بل جعل الجسد يبدو شبيهاً بتمثال مثالي يشبه الإله.

وأضاف كامبل أنَّ ذلك من شأنه أن يفسر سبب “فشل” الكثير جداً من تحنيطات الفراعنة عند العثور عليها لاحقاً. ويرى علماء المصريات في المدرسة الفكرية الجديدة هذه أنَّ الحفظ لم يكن قط هو هدف المُحنِّطين.

لكنَّ وجهة النظر هذه بشأن التحنيط مثيرة للجدل، ولا يتفق عليها كل علماء المصريات.

الأهرامات كانت مفخخة

لم يُفخِّخ المصريون أهراماتهم.

ينبع هذا التصور الخاطئ من اكتشاف ممرات عمودية في الأهرامات وُجِدَ أنَّها تنزل مباشرةً في منتصف الممرات المنحدرة إلى الغرف الملكية.

قال إزموند: “كان بعض الباحثين يعتقدون أنَّ هذه فخاخ، كأن يسقط اللص فجأة لأسفل. حسناً، يتعين أن يكون هذا اللص شديد الغباء” (ليسقط بهذا الشكل).

وأضاف أنَّ تفسيراً آخر لهذه الممرات هي أنَّها كانت تهدف لتجميع المياه خلال هطول الأمطار الغزيرة لمنعها من الإضرار بالغرفة الملكية.

iStock\ الأهرامات
iStock\ الأهرامات

متاهات داخل الأهرامات

قال إزموند إنَّ فكرة أنَّ الناس بحاجة إلى خرائط كنز معقدة لاجتياز متاهة داخل الهرم فكرة “خاطئة تماماً”.

وأضاف: “حين تنظر إلى مخططات الهرم، عادةً ما تقود الممرات مباشرةً إلى حجرة الدفن”.

مع ذلك، قال إنَّ بالإمكان العثور على ممرات تشبه المتاهات تحت بعض المعابد.

وأضاف: “كانت هناك بعض أنظمة الممرات المعقدة حقاً، تُسمَّى سراديب، وهي تشبه الموجودة في الأفلام”.

وتابع: “تحتاج في بعض الأحيان للضغط على كتلة حجرية واحدة حتى يمكن دفع باب آخر في الجانب المقابل من الممر نفسه. ويجب أن تعلم ما هي نتائج دفع الصخور حتى يمكنك فتح ممر سري”.

لعنة الفراعنة على الأحياء

كان ذلك عنصر إلهام للعديد من الأفلام: مغامر ينتهك مقبرة فرعون، فتحدث له أمور مريعة في الحياة.

لكنَّ إزموند قال إنَّ هذه الفكرة لا تستند إلى أدلة أثرية.

وأضاف: “في بعض المقابر، خصوصاً تلك التي تعود إلى الدولة القديمة والعصر الوسيط الأول، يمكن أن تجد نقوشاً، عادةً عند المدخل، تقول إنَّ كل مَن يدخل هذه المقبرة ويضر بها، ستُجلَب روحه إلى الرب العظيم ويُحاكَم”.

لكن ما يعنيه ذلك، بحسب إزموند، هو أنَّ الفرعون، الإله المتجسد، سيحكم على أفعال الشخص بعد الوفاة، وليس خلال الحياة.

تناول أجزاء من لحم المومياء قد يزيد من الصحة

لا يُصاب علماء المصريات بالصدمة بسبب التصورات الخاطئة المعاصرة فقط. إذ كانت هناك بدعة غريبة في العصر الفيكتوري، تقول إنَّ الناس يعتقدون أنَّ تناول أجزاء من لحم المومياوات قد يمنح خصائص صحية غامضة.

قال إزموند: “حتى عشرينيات القرن الماضي، كان يمكن أن تجد مسحوق مومياء في قوائم بعض الصيدليات بألمانيا”، مضيفاً: “من المحتمل أنَّ أجدادنا وجداتنا كانوا يأكلون المومياوات”.

كثير من هذه التصورات الخاطئة ربما تعود إلى المؤرخ اليوناني هيرودوت

زار المؤرخ اليوناني هيرودوت مصر القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد، قبيل نهاية التاريخ المصري القديم. وكان كتابه الذي يُورِد تفاصيل حياة المصريين القدماء مؤثراً للغاية.

قال إزموند: “ظلَّ طوال أجيال هو المصدر الأساسي بشأن مصر القديمة”.

ويُعَد معظم كتابه دقيقاً على نحو لافت، وصمدت بعض المعلومات الواردة فيه أمام اختبار الزمن. لكن في بعض الأحيان، كما قال إزموند، كان لدى هيرودوت “نهج ليبرالي للغاية تجاه الحقيقة”.

وربما تعود جذور العديد من التصورات الخاطئة التي بقيت في المعرفة التقليدية بشأن مصر القديمة حتى يومنا هذا إلى الكتاب.