وسط مدينة لوشا بمقاطعة غرناطة الإسبانية، يقف نصبٌ تذكاري ليذكّر الإسبان وزائري المدينة بشجاعة ومقاومة واحدٍ من أبرز قادة المسلمين في الأندلس، وهو إبراهيم علي العطار، الذي وصفته الوثائق الإسبانية بـ”القائد الأسطوري”، وذلك بعد أن قاد جيش غرناطة لمواجهة القشتاليين؛ في محاولة منه للذود عن آخر معاقل المسلمين في الأندلس، قبل أن يسقط شهيداً في معركة لوسينا سنة 1483.

من هو إبراهيم علي العطار؟

لا يعرف بالضبط تاريخ ميلاده، لكن بعض المؤرخين يرجحون ميلاده مع مطلع القرن الـ15 وبالضبط سنة 1403، إذ يُقدر أنّه عاش 80 سنةً من عمره عند استشهاده سنة 1483.

ومثل تاريخ ميلاده، لم يعرف عن حياة العطار المبكرة سوى القليل، إذ إنه اشتغل في التجارة منذ وقتٍ مبكر، وهو الأمر الذي ساعده على كسب ثروة كبيرة من خلال تجارة التوابل.

كانّ الحسّ الإسلامي لدى إبراهيم كبيراً، ففزع من حال إمارة غرناطة وهي تعيش سنواتها الأخيرة، ومن مجازر القشتاليين ضد المسلمين؛ الأمر الذي دفعه إلى الالتحاق بجيش غرناطة، وسرعان ما صار قائداً له.

ابراهيم علي العطار
نصب ابراهيم علي العطار وسط مدينة لوشا بغرناطة / مواقع التواصل

في تلك اللحظات، ربطت علاقة قوية بين إبراهيم علي العطار والأمير أبي عبد الله الصغير، الذي عيّن العطار والياً على مدينة لوشا، كما سار معه في العديد من الغزوات والمعارك، وعندما صار أبو عبد الله حاكماً على غرناطة توطدت هذه العلاقة إلى مرحلة المصاهرة، وذلك بعد أن طلب الأمير أبو عبد الله الزواج من ابنة إبراهيم علي، مريمة بنت العطار سنة 1482.

لم يكن جهاد العطار ضد القشتاليين بالسيف فقط، فقد وهب كلّ ثروته في سبيل حماية مملكة غرناطة من السقوط، فعلى الرغم من كل الثروة التي امتلكها إبراهيم علي العطار، إلّا أنه في لحظة تزويج ابنته مريمة من حاكم غرناطة أبي عبد الله الصغير، لم يجد إبراهيم ما يُجهّز به ابنته يوم عرسها، وذلك بعد أن أنفق كل ثروته في حماية مملكة غرناطة، وفي هذا الصدد يذكر المؤرخ الإسباني، لا فوينتي ألقنطرة، “إنّ عليَّ العطار لم يجد في عرس ابنته مُريمة ما يجهزها به سوى ملابس وجواهر مستعارة”.

دافع عن مملكة زوج ابنته بالسيف والمال

في يوليو/تموز من عام 1482 م، وبينما كانت مملكة غرناطة تعيش على وقع الانقسام والحرب بين أبي عبد الله الصغير وأبيه أبو الحسن بن سعد حول الحكم، هاجم فرناندو الخامس مدينة لوشا التي تقع غربي غرناطة، وهي المدينة التي كان إبراهيم علي العطار والياً عليها، والتي كانت تعدّ آخر معاقل المسيحيين في غرناطة.

لم يتوانَ العطار عن الدفاع عن المدينة بكلّ بسالة وشجاعة، فوقف في وجه جيوش القشتاليين بحامية قوامها 3 آلاف مقاتل فقط.

كان جيش الكاثوليكيين مكوناً من فرسان قلعة رباح، وهي أول ميليشيا عسكرية تتكوّن في مملكة قشتالة، إضافةً إلى عدد من الفرسان المعروفين أمثال بيدرو فرنانديز ومعه 5 آلاف جندي و10 آلاف جندي مشاة، مع مدفعية من أجل الحصار وآلاف العمال لحفر الخنادق وبناء الجدران.

ابراهيم علي العطار
سيف ابراهيم علي العطار الذي يحتفظ به في احد متاحف اسبانيا / ويكيبيديا

بدأ القشتاليون بقيادة بيدرو فرنانديز في بناء معسكراتهم على ضفاف نهر غرناطة في منطقة مليئة بالمنحدرات والبساتين والوديان، مما شكّل تحدياً أمامهم في اختيار أماكن الجنود والمناورة.

وقبل أن يتمكن القشتاليون من تحديد أماكنهم، أغار عليهم العطار بشكل مفاجئ فاستطاع هزيمتهم وأجبرهم على التراجع، بعد أن فض صفوفهم، واستولى على أسلحتهم، وأوقع بينهم عدداً كبيراً من القتلى من بينهم قادة في الجيش.

وبعد تلك الملحمة، توجّه العطار من سياسة الدفاع إلى الهجوم، فقاد جيشه إلى فتح الحدود القشتالية الشمالية، فقد استطاع جنود العطار الاستيلاء على قلعة كاركابوي، بينما تراجع القشتاليون لحماية حدودهم.

استمرّ العطار في إرهاب جيوش القشتاليين وقائدهم بيدرو فيرنانديز، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1482 نجح العطار في إلقاء القبض على قائد القشتاليين بيدرو فيرناندز، لكنّ هذا الأخير تمكنّ من النجاة وأسر العطار معه واقتياده إلى مناطق القشتاليين، لكن العطار نجا من الأسر بحكم حنكته ودهائه العسكري.

وبعودته إلى مدينة لوشا، بدأ إبراهيم علي العطار في تجهيز جيشه لغزو مدينة لوسينا، الواقعة شمال بلدة لوشا، إذ نجح العطار في جمع أكثر من 7 آلاف مقاتل للمهمة.

كانت وفاته بداية الانهيار الفعلي لمملكة غرناطة

وفي 20 أبريل/نيسان 1483، توجه العطار رفقة جيشه لغزو لوسينا، وكان في انتظاره ثلاثة جيوشٍ مسيحية متحالفة وكبيرة،

ونظراً لفارق القوة والعدد بين جيش العطار وجيش لوسينا وحلفائها، اضطر المسلمون إلى الانسحاب إلى ضواحي المدينة، لكن المواجهة كانت حتمية.

فبينما كان جيش العطار يتمّ انسحابه تعرّض إلى هجومٍ مفاجئ ومباغت من القشتاليين، فقتل نفرٌ كبيرٌ من جيش المسلمين كان أبرزهم القائد إبراهيم علي العطار الذي قتل وهو يحاول الدفاع عن أميره بسيفه الذي استولى عليه الجيش القشتالي، بينما حاول أبو عبد الله الفرار، لكن حصانه علق ليسقط أسيراً لدى القشتاليين، وذلك وفقاً لكتاب “الآثار الأندلسية الباقية في إسبانيا والبرتغال“.

ابراهيم علي العطار
قاعة سينما باسم ابراهيم علي العطار في وسط غرناطة / ويكيبيديا

وتكريماً لبطولاته وشجاعته، احتفظ القشتاليون بسيف العطار الذي أصبح رمزاً للشجاعة والمقاومة، كما أنّ الإسبان وضعوا لإبراهيم علي العطار نصباً في مدينته لوشا، ناهيك عن تسمية عدة مؤسسات وشوارع باسمه، وذلك بعد أن وصفه المؤرخون الإسبان بالقائد الأسطوري.

أمّا مملكة غرناطة، فبوفاة مقاتلها الأسطوري إبراهيم علي العطار دخلت فعلياً مرحلة الانهيار، فبعد 10 سنوات من وفاة العطار سقطت غرناطة في يد القشتاليين سنة 1492، وبذلك طويت آخر صفحة من حكم المسلمين لبلاد الأندلس