تُعرف الساعة الأولى بعد الولادة، عندما تتلامس الأم مع طفلها حديث الولادة دون انقطاع، بكونها “الساعة الذهبية” بين الأم والرضيع. وتُعد تلك الفترة الزمنية حاسمة بالنسبة للطفل حديث الولادة، بعدما قضى الأشهر التسعة الماضية في بيئة مغلقة ودافئة وآمنة.

فيبدأ الأطفال ببطء في إدراك أن هناك أشياء جديدة ومخيفة يجب عليهم التعامل معها من أجل النمو، بما في ذلك التنفس والجوع والعطش.

وبالتالي، فإن الانتقال من الرحم إلى العالم الخارجي يمكن أن يكون فترة صعبة للغاية بالنسبة لحديثي الولادة، وحتى الأمهات على حدٍّ سواء.

في هذا التقرير نناقش كيف يمكن لـ”ساعة ذهبية” من التواصل المباشر بين جلد الطفل وأمه بعد الولادة يمكن أن تسهل عملية الانتقال على الطرفين.

أثبتت الدراسات العلمية أن الاحتكاك الجلدي يعزز تعافي الطرفين - Shutterstock
أثبتت الدراسات العلمية أن الاحتكاك الجلدي يعزز تعافي الطرفين – Shutterstock

“الساعة الذهبية” وأهميتها للأم وطفلها

تشير الدراسات المتخصصة إلى أن الساعة الذهبية تساعد في تنظيم عملية نمو الطفل واحتكاكه بالعالم لأول مرة، كما تساعد على التحكم في تنفسه وتقليل مخاطر انخفاض نسبة السكر في الدم لديه.

علاوةً على العديد من المزايا والفوائد الصحية والنفسية للتلامس المباشر على الطفل، فهو مؤثر بشكل كبيرة على صحة وسلامة الأم وسهولة تعافيها من الحمل والولادة أيضاً.

إذ تعزز ملامسة الجلد للجلد مباشرة الروابط القوية بين الأم وطفلها. وتشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يحظون بوقت من التلامس مع جلد الأم يرضعون فعلياً بشكل أفضل ولمدة أطول بعد أن يلتصق الرضيع بشكل طبيعي بحلمات الأم من تلقاء نفسه. كذلك يمكن أن تؤدي الرضاعة الطبيعية في وقت مبكر أيضاً إلى تسريع تخلص جسم الأم من المشيمة، ما يقلل من خطر حدوث نزيف ما بعد الولادة.

كذلك أظهرت الأبحاث العلمية أن ما يحدث خلال أول 60 دقيقة من حياة الطفل، والتي يشار إليها بالساعة الذهبية، يمكن أن يزيد من الترابط بين الأم والطفل.

فهي مفيدة للغاية وحاسمة لسنوات طويلة تمتد بين الأم والطفل. وبحسب الممرضة والقابلة الأمريكية تينيل تشوال، فإنه من المفيد للغاية التلامس الجلدي المباشر لتحقيق الاستقرار النفسي والحيوي لحديثي الولادة الخارجين من الرحم، وكذلك الترابط بين الأم وطفلها الجديد.

الترابط بين الأم وطفلها يؤثر على حياته بالكامل

في الماضي، غالباً ما كان الارتباط بالطفل يُعد ثانوياً، ولا يتم منح الأم فرصة للقاء الطفل بسبب الأولوية في إتمام الإجراءات الطبية للمولود الجديد.

إذ شاهدت الأمهات الجديدات أطفالهن يتم تسليمهم إلى ممرضة لفحصهم وتنظيفهم وغير ذلك. وبعد كل هذا الانتظار، يتمكن الوالدان الجديدان أخيراً من حمل طفلهما.

لكن اليوم يرى مقدمو الرعاية الصحية أن هناك طريقة أفضل لقضاء أول 60 دقيقة من الحياة. إذ تشجع العديد من المستشفيات ومراكز الولادة الآباء والأمهات الآن على الانتظار لمدة ساعة على الأقل قبل تقديم الطفل للعائلة والأصدقاء.

وبدلاً من ذلك، يشجعون الأم والطفل على البقاء معاً والاحتكاك بشكل مباشر بالجلد بدون أي عوازل أو ملابس تحيل بين تلامسهما، كذلك يركزون على إعطاء المولود الجديد فرصة للرضاعة الطبيعية.

تُعد عملية الولادة صدمة قاسية بالنسبة للمولود الجديد- Shutterstock
تُعد عملية الولادة صدمة قاسية بالنسبة للمولود الجديد- Shutterstock

فوائد التلامس للمولود الجديد والأم على حدٍّ سواء

بالنسبة للطفل، يساعد التلامس في الساعة الذهبية مع أمه بعد الولادة مباشرة في التنظيم الحراري لجسمه، فضلاً عن استقرار نسبة السكر في الدم.

ومن ثم بالنسبة للأم، فهو يساعد جسمها على إنتاج الهرمونات التي تساعدها على الرضاعة الطبيعية وإنتاج الحليب، بالإضافة إلى تقليل التوتر والقلق والاكتئاب بالنسبة لها في تلك المرحلة الحساسة.

وحتى في حالات الطوارئ الطبية التي قد تضطر المستشفى فيها إلى تغيير خطة ولادة الأسرة، فمن الممكن الاستفادة من وقت الترابط في الدقائق القليلة الأولى. وإذا احتاج الطفل إلى رعاية طبية أو إلى تحفيز إضافي لبدء التنفس، فيمكن نقل الطفل من طاولة الفحص إلى صدر الأم بمجرد استقرار حالة الطفل.

قد تحتاج النساء اللاتي خضعن لعملية قيصرية مخطط لها أو غير مخطط لها إلى الانتظار بضع لحظات حتى تتمكن من حمل الطفل بهذه الطريقة في الساعة الذهبية.

وفي معظم الحالات، وبعد إجراء تقييم سريع، يمكن للممرضات نقل الطفل إلى صدر الأم. يمكن للطفل البقاء بجانب والدته حتى تستقر في غرفة الإنعاش وتكون جاهزة للرضاعة.

من الضروري التواصل المباشر بين الأم وجنينها بعد الولادة - Shutterstock
من الضروري التواصل المباشر بين الأم وجنينها بعد الولادة – Shutterstock

ويؤثر الأمر على الطفل كما يلي:

1- ينظم وظائف جسم الطفل: تظهر الأبحاث أن التواصل الجلدي المباشر في “الساعة الذهبية” بعد الولادة يمكن أن يعزز استقرار أنظمة القلب والجهاز التنفسي، ومستويات السكر في الدم، ومستويات التوتر، ودرجة حرارة الجسم، وتنظيم الجهاز العصبي. وبالتالي تصبح الولادة أقل صدمة للطفل.

2- يقلل من مستويات التوتر لدى الأم والطفل: أثبتت الأبحاث انخفاض مستويات التوتر بشكل ملحوظ بعد ساعة واحدة فقط من العناية بالبشرة.

3- يرتبط بنتائج أفضل للرضاعة الطبيعية: عندما تتمكن الأم من ممارسة الرضاعة الطبيعية دون انقطاع في لحظات الولادة الأولى، فغالباً ما يبدأ طفلها الرضاعة الطبيعية بنفسه. إذ يمكن للطفل أن يشم رائحة جلد أمه، ويكون قادراً على الإمساك بالحلمة بسهولة.

4- يعزز جهاز المناعة لدى الطفل: بسبب تناقل البكتيريا النافعة من جلد الأم للطفل، يُتاح لجهاز المناعة للطفل معرفة ما سيصبح مألوفاً بالنسبة له.

5- يعزز الترابط: يمكن لقضاء الوقت مع الطفل أن يعزز الترابط الفوري الجديد لأن هرمون الأوكسيتوسين (الهرمونات التي تمنح الإنسان شعوراً جيداً بالراحة والاكتفاء) أن يرتفع لدى الأم والطفل.

6- انخفاض معدلات وفيات الرضع: تشير الدراسات إلى أنه عندما تحدث الرضاعة الطبيعية في غضون ساعة من الولادة، يقل خطر وفيات الرضع بنسبة تصل إلى 33%

فوائد للأم أو الوالدين أثناء الولادة:

1- يقلل من مستويات التوتر لدى الوالدين والطفل: أثبتت الأبحاث العلمية انخفاض مستويات التوتر بشكل ملحوظ بعد ساعة واحدة فقط من التواصل المباشر بالبشرة.

2- يسمح بإدرار الحليب: يمكن للأم التي تحتك جلدياً بطفلها أن تطعم طفلها بشكل أفضل؛ لأن الثدي سيتم تحفيزه على “إنزال” الحليب من خلال هرمون البرولاكتين.