في عام 1731، استقل البحارة الإسبان السفينة البريطانية “ريبيكا” وقاموا بالسطو عليها قبالة سواحل كوبا، وخلال العملية قطعوا الأذن اليسرى لقبطانها الإنجليزي روبرت جينكنز.

لاحقاً استخدمت بريطانيا واقعة “أذن مقطوعة” يدفعها إرث من الخلافات كذريعة لإعلان الحرب على إسبانيا عام 1739، وهو الصراع الذي يُعرف الآن باسم حرب أذن جينكنز.

واقعة السيطرة على سفينة بريطانية وقطع أذن قبطانها كانت نقطة البداية - ShutterStock

قوتان عظميان وحرب “الأذن المقطوعة”

في التنافس المرير بين إسبانيا وإنجلترا في القرن الثامن عشر، تقاتلت القوتان بسبب أشياء كثيرة: الخلافة الملكية، والحدود الاستعمارية، وحتى الخلافات التجارية. لكن بين عامَي 1739 و1742، تقاتلتا أيضاً بسبب شيء غريب، ألا وهو “أذن مقطوعة”.

بالطبع كان لحرب أذن جينكنز أسباب أكثر دقة وتحديداً من أذن مقطوعة؛ بل إنها لم تحصل على اسمها إلا بعد أكثر من قرن من وقوعها، عندما صاغ المؤرخ الإنجليزي توماس كارليل المصطلح في سيرته الذاتية لملك بروسيا فريدريك الثاني عام 1858.

واقعة “الأذن” التي سبقت كل شيء بسنوات طويلة

وقع الحادث الذي من شأنه أن يطلق على الحرب اسمها بسبب “أذن مقطوعة” عام 1731، أي قبل 8 سنوات من بدء القتال الفعلي بين المملكتين.

إذ شكك حرس السواحل الإسباني في أن “ريبيكا”، وهي سفينة كان يقودها القبطان روبرت جينكنز، كانت تهرّب البضائع، فصعدوا على متنها للبحث عن البضائع المهربة.

وبعدما فشلوا في العثور على أي شيء، زُعم أن الضباط الإسبان لجأوا إلى العنف لانتزاع اعتراف من طاقم السفينة. ووفقاً لما ذكره الكاتب الأمريكي وأحد المؤسسين الأوائل للولايات المتحدة، بنجامين فرانكلين، لبنسلفانيا جازيت، فإن أحد الضباط “أمسك بالأذن اليسرى (لجينكنز)؛ ثم تمسك به إسبان آخرون وقطعوها بخنجر حاد”.

وبحسب شبكة “تاريخ الحرب” (Warfare History Network) فإن الضابط قد ناول جينكنز أذنه المقطوعة مجدداً، وقال له: “اذهب وأخبر ملكك جورج أنني سأفعل نفس الشيء معه إذا تجرأ على فعل الأمر ذاته”.

اندلعت الحرب بين المملكتين لسنوات طويلة - Wikimedia Commons

تصاعد الأحداث واستغلال لواقعة “الأذن المقطوعة”

لم تسجل المشاجرة التي دارت حول أذن مقطوعة تخص القبطان جينكنز في المجال السياسي البريطاني حتى عام 1738، عندما وصلت قضيتان رئيسيتان كانتا تغليان بين البلدين لعقود من الزمان فجأة إلى نقطة اللاعودة.

فمن ناحية، طالب الملك الإسباني بمدفوعات متأخرة من التجار البريطانيين مقابل “asiento de negros” أو ما كان يُعرف آنذاك بـ”حق احتكار بيع المستعبدين” إلى المستعمرات الإسبانية في الأمريكتين.

ومن ناحية أخرى، أصر البريطانيون على امتلاك الحق في حرية التجارة في منطقة البحر الكاريبي واشتكوا من أن القوات البحرية الإسبانية كانت تقمع “التجارة البريطانية المشروعة” في الأمريكتين.

وبالنسبة إلى إنجلترا، كانت “أذن جينكنز” ما هي إلا موقف تقريبي مصغّر لما عانته بريطانيا من “قسوة إسبانية” في ذلك الوقت على مختلف الأصعدة.

في مارس/آذار عام 1738، أُمر جينكنز بالمثول أمام البرلمان لمشاركة قصة أذنه. تقول الروايات بحسب المصادر التاريخية البريطانية إن جينكنز احتفظ بالأذن المقطوعة في زجاجة ومحلول طبي على مر السنين وأخرجها كجزء من عرضه التقديمي للقضية، على الرغم من عدم وجود سجل لجلسة الاستماع يؤكد ذلك.

ومع ذلك، كان يُنظر إلى قصة أذن جينكنز المقطوعة على أنها إهانة لشرف البلاد، واستخدمت بريطانيا هذا الحادث لجلب الدعم للحرب ضد إسبانيا.

وبعد بعض الجهود الفاشلة لتسوية الأمور دبلوماسياً، أعلنت إنجلترا الحرب ضد إسبانيا في 23 أكتوبر/تشرين الأول عام 1739.

حرب شعواء بين قوتين عظميين

حقق البريطانيون، بقيادة الأدميرال إدوارد فيرنون، نجاحاً مبكراً في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1739 عندما قصفوا الحصن الإسباني في بورتو بيلو، في بنما الحالية.

أدى النجاح إلى تعزيز حماس القوات البريطانية. وعلى مدى السنوات العديدة التالية، واصل البريطانيون شن هجمات على المستعمرات الإسبانية في الأمريكتين، والتي ثابر الإسبان في صدها.

لم يلبث هذا النجاح طويلاً، إذ واجه البريطانيون بعض الحظ السيئ بعدها، وذلك بعدما عانوا من الخلافات الداخلية والاستراتيجية وأمراض مثل الحمى الصفراء. وعلى الرغم من المحاولات المتعددة، لم يتمكنوا أبداً من الاستيلاء على كارتاخينا دي إندياس، في كولومبيا الحديثة، وهي مركز تجارة الذهب الإسباني الرئيسي.

جانب من السفن البريطانية والإسبانية في حربهما الضروس - Wikimedia Commons
جانب من السفن البريطانية والإسبانية في حربهما الضروس – Wikimedia Commons

ما بعد حرب أذن جينكنز المقطوعة

استمر البريطانيون في محاولة مهاجمة كوبا عام 1941، وفنزويلا في أوائل عام 1743، لكنهم انسحبوا في المرتين دون انتصارات. وذلك بعدما فشل استغلال واقعة أذن مقطوعة في كسب انتصارات على الأرض.

وبحلول الوقت الذي تفاقمت فيه حرب الخلافة النمساوية، وهي حرب شاركت فيها معظم القوى الكبرى والصغرى في أوروبا إثر تولي ماريا تيريزا خلافة سلالة هابسبورغ الملكية بالنمسا، تفوق هذا الصراع الأضخم على تداعيات حرب جينكنز أو حرب الأذن المقطوعة عام 1743، كان يعانى كلا الجانبين من خسارة آلاف الضحايا.

وأخيراً، بحلول العام 1748، انتهى القتال بالعودة إلى “الوضع الراهن قبل الحرب”، أي: لن تتغير السيطرة على أي منطقة، وستعود الأمور بشكل أساسي إلى ما كانت عليه قبل بدء الحرب في عام 1739 وكأن شيئاً لم يكن.