يوصي الأطباء دائماً بالحفاظ على صحة الجهاز الهضمي؛ نظراً إلى الدور الذي يلعبه هذا الجهاز في امتصاص العناصر المغذية ونقلها إلى مجرى الدم والتخلص من الفضلات. لكن ما هي الطرق المثلى للحفاظ على صحة الجهاز الهضمي؟

الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي

ينصح الأطباء في المقام الأول بتناول الفاكهة والخضار يومياً، وتقليل الأطعمة السكرية والدهنية، واختيار الدواجن والأسماك بدلاً من اللحوم الحمراء.

وتوصي أخصائية التغذية المعتمدة الدكتورة ميغان روسي، زميلة الأبحاث بكلية كينغز لندن، بتناول 30 نوعاً مختلفاً من الأطعمة النباتية أسبوعياً.

قد تشعرون بأن “30” رقم كبير بعض الشيء، لكن تذكروا أن ذلك يشمل الفاكهة والخضار والحبوب الكاملة والبقوليات والمكسرات والبذور. ويكفي أن ترش البذور المختلطة على فطورك في الصباح لتحقيق هذا الهدف بسهولة.

وبالتأكيد تتميّز بعض الأطعمة بكونها صحيةً أكثر من غيرها. وهناك عشرات الأطعمة التي تُوصف بأنها “أغذية فائقة الجودة”، رغم عدم وجود تصنيف رسمي لذلك. ويعني هذا الوصف أن تلك الأطعمة مليئة بالمغذيات الصحية مثل الفيتامينات، والمعادن، ومضادات الأكسدة. لكنها قد تحتوي أيضاً على مستويات عالية من الألياف، والدهون الصحية غير المشبعة، والفلافونويدات.

وتضم قائمة الفلافونويدات مركبات نباتية مثل الأبيجينين، الذي يمكن العثور عليه في البقدونس والبابونج والكرفس، ويتمتع بخصائص مضادة للالتهابات والسرطان. كما تضم قائمة الأغذية الفائقة كلاً من الخضراوات الورقية الداكنة مثل السبانخ والكرنب، والتوت، والأفوكادو، والقرفة، والخضراوات الجذرية، والثوم، والزنجبيل، والشاي الأخضر، والعدس، والسلمون. لكن ليس من السهل إثبات الفوائد الصحية لأطعمة بعينها، لأن غالبية الدراسات تختبر مكونات محددة من الخلايا على أطباق اختبار بترية أو على الفئران.

ويُنصح كذلك بتناول 30 غراماً من الألياف يومياً، فهي تساعد في الهضم والوقاية من الإمساك، كما يرتبط تناولها بانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني وسرطان القولون.

ويجب الحصول على الألياف من مختلف المصادر، وضمن ذلك الفاكهة والخضار، والفاصوليا، والمكسرات، والبذور، والشوفان، وخبز الحبوب الكاملة، والمعكرونة، والأرز البني. ومن الضروري شرب ما يكفي من الماء أيضاً، مما يساعد الأطعمة على الحركة عبر الجهاز الهضمي. بينما قد يؤدي شرب كميات صغيرة من الماء إلى الإصابة بالجفاف، الذي يُعد من الأسباب الشائعة للإمساك.

وستساعدك الأنشطة البدنية في الهضم كذلك، كالخروج للمشي بعد العشاء مثلاً.

istock\ صحة الجهاز الهضمي

ما علامات الجهاز الهضمي الصحي؟

هناك العديد من العلامات التي تدل على أن جهازك الهضمي ليس على ما يرام.

إذ قد تؤدي عدوى التهاب المعدة والأمعاء مثلاً إلى ألم في المعدة، وقيء، وإسهال. بينما قد يؤدي عدم تحمُّل اللاكتوز إلى جعلك تشعر بالانتفاخ، وهي حالة يعجز فيها المرء عن هضم السكر الموجود في الحليب ومنتجات الألبان.

أما في الداء البطني، فيدفع الغلوتين بجهاز المناعة إلى مهاجمة الأمعاء، مما قد يُصيبك بآلام البطن وعسر الهضم. أي إن غياب الألم والانتفاخ علامات أوّلية مبشرة بصحة جهاز هضمي جيدة.

ويُعَدُّ التبرُّز مؤشراً جيداً أيضاً: إذ يجب أن يكون منتظماً وخالياً من الألم، ويجب ألا يحتاج إلى كثير من الدفع.

istock\ صحة الجهاز الهضمي

مشكلات الجهاز الهضمي الشائعة

هناك قائمة طويلة من الحالات الطبية التي تؤثر على صحة الجهاز الهضمي  بداية من عسر الهضم وحرقة المعدة والإسهال، ووصولاً إلى الإمساك ومتلازمة القولون العصبي والسرطان.

ويحدث عسر الهضم عندما تؤدي أحماض المعدة إلى تهيُّج بطانة المعدة، أو نتيجة ظهور بقع مسلوخة مثل القرح على جدار المعدة. ولا تختلف حرقة المعدة كثيراً. إذ إن إحساس الحرقة في الصدر يأتي نتيجة تدفق حمض المعدة إلى المريء في الأعلى. وعادةً ما يكون الأمر دلالةً على أن الرباط العضلي الموجود في آخر المريء لا يعمل بصورةٍ صحيحة.

وعندما تحدث حرقة المعدة بشكلٍ متكرر؛ نبدأ في وصفها بداء الارتداد المعدي المريئي. وقد تؤدي بعض الأطعمة مثل الفلفل الحار، والبصل، والثوم، والطماطم، والفواكه الحمضية إلى إثارة حرقة المعدة. وينطبق الأمر ذاته على مشروبات بعينها مثل الشاي والقهوة والمشروبات الغازية. بينما سيفيد تقليل التوتر والقلق في هذه الحالة.

ويُعَدُّ الإمساك والإسهال من أكثر المشكلات الشائعة التي تؤثر على صحة الجهاز الهضمي. ويمكن وصف الإمساك عموماً بأنه التبرُّز لأقل من ثلاث مرات أسبوعياً، مع مواجهة صعوبةٍ في إخراج البراز. وعادةً ما يحدث الإمساك نتيجة عدم تناول ما يكفي من الألياف، وعدم شرب ما يكفي من السوائل، وقلة النشاط البدني. لكن الإمساك يحدث دون سبب واضح في بعض الأحيان. أما الإسهال -عندما يصبح البراز رخواً ومائياً- فيحدث عادةً نتيجة عدوى بكتيرية، أو فيروسية، أو طفيلية في الأمعاء.

وما تزال متلازمة القولون العصبي تمثل لغزاً طبياً. إذ إن أسبابها غير واضحة، لكن الحالة قد تظهر بعد الإصابة بعدوى شديدة مسببة للإسهال. وتُشير الدراسات إلى أن التغييرات التي تطرأ على الميكروبات المعوية -والتوترات في بداية الحياة- قد تلعب دوراً في هذه المتلازمة أيضاً، وفقاً لما ورد في صحيفة The Guardian البريطانية.

وتؤثر أمراض أكثر خطورةً على الجهاز الهضمي كذلك. إذ قدّر الأطباء وجود نحو 5 ملايين حالة إصابة جديدة بسرطانات الجهاز الهضمي كل عام، أي ما يعادل نحو ربع حالات الإصابة الجديدة بالسرطان حول العالم. ويؤدي تناول اللحوم الحمراء مثل اللحم البقري ولحم الضأن ولحم الخنزير، واللحوم المُعالجة مثل النقانق واللحم المقدد والسلامي، إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الأمعاء بنسبة 13% حسب التقديرات. وترتبط ثلث حالات سرطان الأمعاء تقريباً بعدم تناول ما يكفي من الألياف، بينما ترتبط 11% من هذه الحالات بالسمنة، فيما يؤدي التدخين إلى نحو 7% من تلك الحالات، بحسب جمعية Cancer Research UK.

istock\ صحة الجهاز الهضمي
istock\ صحة الجهاز الهضمي

ماذا عن ميكروبيوم الأمعاء؟

تعيش تريليونات الميكروبات داخل الجهاز الهضمي للإنسان، وتضم آلاف الأنواع من البكتيريا والفطريات والفيروسات والطفيليات. لكن غالبية تلك الميكروبات ميكروبات تكافلية، أي إن الميكروب والجسم البشري يستفيدان من وجودها داخل الأمعاء. ومع ذلك، تؤدي بعض الميكروبات إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض، أو رفع مستويات السموم في حال اتباع حمية غذائية سيئة. وكما هو حال غالبية المجتمعات، فسنجد أن الميكروبات النافعة تتفوق عددياً على نظيرتها الضارة في المعتاد، لتحافظ بذلك على انضباطها. لكن هذا التوازن قد يضيع بسبب النظام الغذائي، أو العدوى، أو تناول المضادات الحيوية لفترةٍ طويلة، مما قد يؤدي إلى تكاثر البكتيريا الضارة وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض مثل داء الأمعاء الالتهابي، ومتلازمة القولون العصبي، والسمنة، وسرطان القولون.

وقد تحوّلت هذه الكتلة من الميكروبات، وتأثيرها على صحة الإنسان، إلى أحد أهم المواضيع في المجال الطبي خلال السنوات الأخيرة. إذ تساعدنا الميكروبات كمجموعة على تكسير الطعام وتدعم عملية الهضم. كما تعمل بعض أنواع النبيت الجرثومي المعوي على تصنيع وإفراز الفيتامينات التي نكافح للحصول عليها في حميتنا الغذائية. كما يعكف النبيت الجرثومي على تخمير الألياف غير القابلة للهضم داخل الأمعاء الغليظة، ليُفرز سلسلة أحماض دهنية قصيرة تُعزز جدار الأمعاء، وربما تقيه من الإصابة ببعض أنواع السرطان وأمراض القولون.

istock\ صحة الجهاز الهضمي
istock\ صحة الجهاز الهضمي

هل يؤثر الميكروبيوم على صحتنا العامة؟

بكل تأكيد. إذ يُعتقد أن الميكروبيوم يؤثر على كافة جوانب صحة الإنسان فعلياً. حيث إن المركبات التي يُفرزها النبيت الجرثومي، أو التي تُفرَز أثناء تحلُّل الطعام، تساعد في تنظيم الهرمونات والأيض (الاستقلاب) والمناعة. وقد يؤثر النبيت الجرثومي على القلق والمزاج والإدراك والألم، إلى جانب تأثيره على الأمراض. وهناك مئات التجارب السريرية الجارية -أو المخطط لها- لدراسة دور ميكروبيوم الأمعاء في مجموعة متنوعة من المشكلات مثل نمو الدماغ لدى الأطفال، والتوحُّد، والسمنة، والسكري، ومرض الشريان التاجي، وسرطان المعدة، والتهاب المفاصل، ومرض باركنسون، وألزهايمر، والاكتئاب، والاضطرابات المزاجية، والقلق، وفقدان الشهية العصبي، والألم، وجودة النوم. كما أن هناك بعض الأدلة التي تقول إن الميكروبيوم قد يُعزز من حافز ممارسة التمارين.