في عام 216 قبل الميلاد، كانت مدينة روما تمرّ بواحدةٍ من أصعب الفترات التي مرّت على عاصمة الجمهورية الرومانية، وذلك بعد أن هزمت قواتها في معركة كاناي (Cannae) ضد القوات القرطاجية في المرحلة الثانية من الحروب البونيقية.

فقبل حوالي 50 عاماً، انخرطت روما في صراعٍ إقليمي مع مدينة قرطاج الرابضة على سواحل شمال إفريقيا من أجل السيادة على البحر المتوسط، وكانت روما قد خرجت منتصرةً في الحرب البونيقية الأولى، ولكن في بداية الصراع الثاني في عام 218 قبل الميلاد، شنّ القائد العسكري القرطاجي هانيبال حرباً جريئةً غزى من خلالها الأراضي الإيطالية عبر جبال الألب.

اندفع هانيبال وجيشه في جميع أنحاء الريف الإسباني والإيطالي، ونجح أهم قائدٍ عسكري في تاريخ قرطاج في هزيمة جحافل الرومان في معركتين رئيسيتين Trasimeno وTrebia، وذلك بعد أن استخدم هانيبال عبقريته العسكرية للفتك بـ50 ألف جندي روماني.

أمام اقتراب تهديد جيش هانيبال لروما، انتخب مجلس الشيوخ الروماني في عام 216 قبل الميلاد، كلاً من جايوس تيرينتيوس فارو ولوسيوس أميليوس بولوس بصفتهما قنصلين مهمتهما تجهيز الجيش الروماني لصدّ حملة هانيبال، وذلك بحسب موقع history.

وبالفعل تمّ تجهيز ثمانية فيالق عسكرية، وهو أكبر جيش في تاريخ روما يخرج لمعركة، وكانت مهمة هذا الجيش واضحة: مواجهة جيش هانيبال وسحقه في معركة كاناي، لكن العكس ما حدث!

معركة كاناي.. عندما اعتقدت روما أن الكثرة تغلب الشجاعة!

في عام 216 قبل الميلاد، كانت التكتيكات العسكرية الرومانية لا تزال في مهدها، فعلى الرغم من انتصار روما بالعديد من المعارك خلال الحرب البونيقية الأولى التي امتدت من سنة 264 حتى 241 قبل الميلاد، إلا أنها استمرت في الاعتماد على التكتيك القديم نفسه المتمثل في وضع قوة متفوقة عددياً في الميدان للتغلب على العدو، وذلك بحسب world history.

جنبعل
القائد القرطاجي جنبعل /shutterstock

خلال معركة كاناي، كان التشكيل الروماني النموذجي هو وضع فرق المشاة الخفيفة في اتجاه الجبهة لإخفاء فرق المشاة الثقيلة ثم تنسيق سلاح الفرسان الخفيف والثقيل على الأجنحة الخلفية. تفاخر الرومان بحجم جيشهم الذي بلغ حوالي 80 ألف جندي و6000 من سلاح الفرسان، في مواجهة جيش هانيبال البالغ 40 ألف مقاتل وألفاً من الفرسان مع بعض الفيلة.

كانت هذه الاستراتيجية قد نجحت بشكل جيد مع خصم روما السابق، الملك اليوناني بيروس الأول، كما نجح هذا التكتيك مع الرومان خلال الحرب البونيقية الأولى، لكن في معركة كاناي، تعلم الرومان درساً مهماً في الاستراتيجية العسكرية من قبل القائد العسكري القرطاجي هانيبال.

المعركة التي شهدت تطبيق خطة الكماشة لأوّل مرة في التاريخ

وبينما كان الرومان يجادلون حول الاستراتيجية ويشكلون الخطط التي يتصدون بها للحملة القرطاجية، كان هانيبال أوّل من وصل إلى موقع المعركة، وذلك بعد أن استولى على مستودع إمداد مهم في مدينة كاناي بجنوب إيطاليا مطلع عام 216 قبل الميلاد، ومع سيطرته على كاناي، قام هانيبال بتوسيع نطاق وصوله إلى المناطق المحيطة.

وفي يوليو من عام 216 قبل الميلاد، قاد باولوس وفارو قوة تزيد عن 80 ألف مقاتل لمواجهة تهديد هانيبال، وفي صباح يوم 2 أغسطس/آب، تجمع الجيشان في سهل حار مليء بالغبار واستعدا للمعركة بمدينة كاناي.

حنبعل
قام حنبعل بتطبيق خطة الكماشة العسكرية في معركة كاناي / ويكيبيديا

استمرت معركة كاناي يومين فقط، تواجه فيها الجيشان الروماني والقرطاجي بضراوة، وخلال المعركة طبّق هانيبال للمرة الأولى في التاريخ، واحدةً من أشهر الخطط العسكرية وهي خطة الكماشة.

فقد أخفى هانيبال نواياه من خلال وضع المشاة الخفيفة من بلاد الغال في المقدمة لإخفاء المشاة الأثقل الذين وضعهم في تشكيل الهلال خلفهم.

وبعد أن سقط الجيش الروماني في فخ هانيبال، وذلك بعد أن انسحب قلب جيش هانيبال، وتحمس جيش روما واعتقد أنه انتصر، قام هانيبال بإعطاء إشارة تفعيل خطة الكماشة، وذلك بعد أن التفّت أجنحة جيش هانيبال من المشاة الخفيفة والثقيلة لتنقضّ على جيش روما.

كان الجنود الرومان محاصرين في معركة كاناي وتم إبادتهم بالكامل تقريباً، فمن بين أكثر من 50 ألف جندي روماني كانوا في وسط ميدان المعركة، قُتل 44 ألف جندي، وأبيد 10 آلاف أثناء عمليات الهروب من المعركة، بينما خسر هانيبال 6 آلاف رجل فقط، معظمهم من بلاد الغال، الذين شكلوا الخطوط الأمامية لجيشه.

وتشير تقديرات أخرى إلى أن 20% من المقاتلين الرومان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عاماً ماتوا في معركة كاناي. ولم ينج سوى 14 ألف جندي روماني فقط، بحيث تم أسر 10 آلاف آخرين من قبل هانيبال.

درس معركة كاناي الذي منع روما من السقوط

وفقاً لموسوعة britannica، فعندما وصل خبر الهزيمة إلى روما، ساد الذعر المدينة، وامتلأت المعابد بالنساء للبكاء على أزواجهن وأبنائهن وإخوانهن المفقودين. بعد ذلك الانتصار الباهر، تمّ حث هانيبال على السير إلى روما من قبل أحد قادته، لكن هانيبال لم يفعل ذلك، فقد كان هانيبال يأمل في أن يهاجر العديد من الإيطاليين الجنوبيين روما ويتحالفون معه بعد انتصاره الساحق.

معركة كاناي
على الرغم منه هزيمة الجيش الروماني في معركة كاناي، لم يستطع حنبعل الإستيلاء على روما / ويكيبيديا

وعلى الرغم من الضربة الهائلة التي تعرضت لها معنويات روما وقوتها البشرية على المدى القصير، فقد أعطت معركة Cannae درساً عسكرياً لروما، التي استأنفت حربها بالاستراتيجية نفسها عبر قائدها العسكري المحنك سيبيو الإفريقي الذي قام بمهاجمة قرطاج في معركة زاما، الأمر الذي أوقف حملة هانيبال للاستيلاء على روما.