لفترة طويلة، انتشر معتقد خاطئ يفيد بأن الأهرامات بنيت بأيدي عبيد كانوا يعملون بالسخرة، وفي الواقع كان هيرودوت، المؤرخ اليوناني، هو السبب في انتشار هذا المعتقد، فقد نقل أنه سمع ذلك من الكهنة المصريين. عموماً، اتضح في القرن الحادي والعشرين أن هيرودوت لم يكن على صواب، فقد اكتشف العلماء مزيداً من التفاصيل المثيرة حول كيفية بناء الأهرامات بعد كشف النقاب عن مخطوطة تحمل اسم “مذكرات ميرير” فما قصتها؟
اكتشاف “مذكرات ميرير”
في وادي الجرف الواقع على ساحل البحر الأحمر، عثرت بعثة فرنسية على مجموعة من الكهوف على شكل خلية نحل في تلال الحجر الجيري، وعلى الفور بدأت عمليات الحفر والتنقيب عام 2011، تحت إشراف عالم الآثار بيير تاليت.
في البداية اكتشف المنقبون أن تلك الكهوف كانت بمثابة مستودع تخزين للقوارب استخدمه المصريون في عهد الأسرة الرابعة للمملكة القديمة أي منذ نحو 4600 عام.
لكن الاكتشاف الأعظم جاء في عام 2013، فقد وجد المنقبون خلال عمليات الحفر مجموعة من ورق البردي مكتوبة باللغة الهيروغليفية، إضافة إلى الكتابة الهيراطيقية، وهي الكتابة التي استخدمها المصريون القدماء في الحياة اليومية.
والمثير للدهشة أن البرديات كتبها رجال شاركوا في بناء الهرم الأكبر (قبر الفرعون خوفو) أول وأكبر الأهرامات الثلاثة في الجيزة خارج القاهرة الحديثة.
أما الورقة الأكثر إثارة للاهتمام من بين تلك الأوراق، فكانت عبارة عن يوميات مسؤول في عهد الفرعون خوفو يدعى “ميرير”، والذي قاد طاقماً من نحو 200 رجل سافروا عبر أجزاء مختلفة من مصر لاستلام وتسليم أنواع مختلفة من البضائع.
أسرار كشفتها مذكرات ميرير
يتضح من مذكرات ميرير أنه كان أحد المشرفين على بعض أعمال بناء الهرم الأكبر، وفقاً لما ورد في موقع smithsonianmag.
ويروي ميرير في مذكراته، أنه كان يذهب مع طاقمه إلى “طرة”، وهي بلدة على نهر النيل تشتهر بوجود محجر يقتطع منه الحجر الجيري، وقد كان ميرير يأمر بملء قاربه بالحجارة لنقلها إلى الجيزة.
ويذكر ميرير أيضاً أنه يعمل لدى “عنخ حف النبيل”، الذي كان يشغل منصب مدير “مدخل بركة خوفو”، وهي بحيرة صناعية على الأرجح، تُستخدم كنقطة انطلاق في الرحلة المتجهة شمالاً من طرة إلى هضبة الجيزة.
وكان عنخ حف هو الأخ غير الشقيق لخوفو، وعلى ما يبدو كان مدير مشروع الهرم في مراحل بنائه الأخيرة.
وتعتبر مذكرات ميرير المخطوطة الأولى التي يذكر فيها أن شخصاً محدداً كان يشرف على بعض أعمال بناء الهرم الأكبر. وتذكر اليوميات أيضاً الاسم الأصلي للهرم الأكبر وهو أخيت خوفو، التي تعني “أفق خوفو”.
وقد أرخ ميرير استخدام الفراعنة للحجر الجيري من طرة للغلاف الخارجي للأهرامات، كما أرخ مجريات وقعت في آخر سنة معروفة من عهد خوفو.
فضلاً عن ذلك فقد دحضت مذكرات ميرير أبرز أسطورة أحاطت ببناء الأهرامات لقرون عدة، إذ يخبرنا الكاتب اليوناني القديم هيرودوت، بأنَّه سمع من كهنة مصر أنَّ الأهرامات بناها العبيد بالسخرة. لكن مذكرات هذا المسؤول المصري السابق أكَّدت أنَّ الأهرامات بُنيت بأيادي عمال مصريين تلقوا أجوراً مقابل عملهم.
كذلك تعتبر مذكرات ميرير أقدم نص هيروغليفي مكتشف مكتوب على أوراق البردي.
وقد وصف زاهي حواس، عالم الآثار المصري، وكبير مفتشي موقع الهرم ووزير الآثار سابقاً، مذكرات ميرير بأنها “أعظم اكتشاف في مصر بالقرن الحادي والعشرين”.
بينما قال عالم المصريات دان بوتر: “تساعدنا سجلات ميرير في توضيح جغرافية مصر السفلى وشبكة القنوات والموانئ التي مكنت من نقل الأحجار والعمال والإمدادات إلى موقع الهرم. كانت الفرق على درجة عالية من المهارة ومتعددة الاستخدامات، ولم يقتصر الأمر على نقل المواد للهرم والمعابد فحسب، بل شاركت أيضاً في إدارة المخازن”.
حسابات دقيقة وجدولة للأعمال اليومية
ووصفت مذكرات ميرير تحركات طاقمه وهم ينقلون الحجارة في طرة، ويضعونها في القوارب ويأخذونها عبر نهر النيل إلى الجيزة. كما ذكر أن الرحلة كانت تستغرق يومين. بينما تستغرق رحلة العودة غير المحملة يوماً واحداً فقط، وفقاً لما ورد في موقع amusingplanet.
ووفقاً لميرير فقد أكمل الطاقم رحلة ذهاباً وإياباً بين الجيزة والمحاجر في طرة مرتين أو ثلاث مرات في كل أسبوع. وكانت تلك الرحلات تسير فقط في وقت قريب من الفيضان السنوي، عندما تكون مياه النيل العالية أكثر ملاءمة للملاحة للسفن المحملة بشكل كبير.
كذلك تضمنت أوراق البردي الأخرى المكتشفة في الموقع نفسه حسابات دقيقة، وجداول بيانات توضح بالتفصيل حركة الخبز والبيرة والحبوب واللحوم لإطعام قوة عاملةٍ قوامها 20000 فرد منتشرة عبر موقع الهرم والمحاجر وفرق النقل.