دوَّن المصريون القدماء تاريخهم ومعتقداتهم باستخدام صور ورموز تعبيرية عُرفت باسم “اللغة الهيروغليفية”، لكن من سوء الحظ تلاشت القدرة على قراءة هذه اللغة حتى بين المصريين أنفسهم بعد مرور نحو  1500 عام على اختراعها. مع ذلك، تمكن العلماء في العصر الحديث من فك رموزها وقراءة العديد من النصوص التي كشفت لنا أسرار مصر القديمة. إليكم أبرز 10 نصوص هيروغليفية مكتشفة في مصر:

10- حجر رشيد

في عام 1799، عُثر على حجر أسود غريب منقوشة عليه 3 نصوص مكتوبة بثلاثة أنواع من الكتابة، وهي “الهيروغليفية المصرية” و”الديموطيقية” و”اليونانية القديمة”. لحسن كانت النصوص الثلاثة متطابقة. وبالتالي سمحت المقارنة بين النص الهيروغليفي والنص اليوناني المعروف للعلماء بفك رموز الكتابة الهيروغليفية.

ويُمثّل النص المنحوت على حجر رشيد رسالة دعم من الكهنة المصريين إلى الملك بطليموس الخامس، حيث يسجل تفاصيل الذكرى السنوية لتولّيه حكم مصر.

9- نصوص الأهرام

نحت المصريون القدماء نصوصاً دينية طويلة على جدران الأهرام الكبرى، التي بنيت لتكون مقبرة للفراعنة من نحو 2400 إلى 2200 قبل الميلاد. لم يكن يُفترض أن يرى نصوص الأهرام أي شخص سوى الحاكم الراحل.

وتُقدّم تلك النصوص نصائح للفرعون حول كيفية تنقله في الحياة الآخرة، وتعد أقدم نصوص جنائزية تعود إلى فترة مصر القديمة.

تحتوي نصوص الأهرام على مزيج من التعليمات والصلوات الكهنوتية لتستخدمها روح الفرعون المتوفى في عبور كل مرحلة من مراحل العالم السفلي. وتضمنت النصوص أيضاً تعويذات قصيرة لحراسة مقبرة الملك المتوفى وحمايته من مصادر الإزعاج.

Getty Images\ حجر رشيد
Getty Images\ حجر رشيد

8- كتاب الموتى

عكس نصوص الأهرام المقتصر استخدامها على حكام مصر، كان كتاب الموتى متاحاً لأي شخص يستطيع شراء نسخة منه. نتيجة لذلك، عُثرت على أعداد كبيرة من نسخ هذا النص في مقابر المصريين القدماء التي يرجع تاريخها إلى الفترة من عام 1550 قبل الميلاد حتى عام 50 قبل الميلاد. كان الحصول على كتاب الموتى أمراً سهلاً إلى حدٍ كبير بالنسبة للمصريين القدماء، لأنَّ نصوصه لم تنحت على حجر أو تابوت، لكن بدلاً من ذلك يمكن شراؤه مكتوباً على ورق البردي. قد تكون هذه البرديات أحياناً كبيرة بشكلٍ مبهر. عُثر مؤخراً على إحدى تلك البرديات، والتي يبلغ طولها 52.5 قدم (16 متراً).

يحتوي كتاب الموتى على تعويذات فردية ترشد الروح خلال رحلتها في الحياة الآخرة. وتحمي بعض التعويذات الموتى من الشياطين، في حين تساعد تعويذات أخرى في الحفاظ على قوة الشخص المتوفى.

7- الملك نفر كا رع والقائد ساسينيت

لم تكن كل النصوص الهيروغليفية دينية بطبيعتها، وفقاً لما ورد في موقع Listverse. فقد كانت هناك كتابات أدبية قوية تستعرض سلوكيات الفراعنة وتنتقدها. حكم الملك بيبي الثاني -المعروف باسم “نفر كا رع”- مصر نحو عام 2250 قبل الميلاد، واتسم عهده بتراجع قوة الفراعنة وزيادة التوترات داخل المملكة. انتهت المملكة المصرية القديمة بحروب أهلية دامية بعد فترة وجيزة من حكمه.

وقد عُثر على نص مجزأ للغاية من إحدى البرديات وقطعة فخارية وأخرى خشبية تربط على ما يبدو، فشل الفرعون في حكم مصر بمثليته الجنسية. يسجل هذا النص كيف شوهد الملك وهو يذهب في زيارات ليلية إلى منزل أحد جنرالاته، والذي يُدعى ساسينيت.

هل كان نفر كا رع يمارس الجنس مع جنراله أم كان هذا النص يقصد السخرية من الفرعون الضعيف؟ لا تزال العديد من الأسئلة عالقة في هذا الشأن، لكن هذا النص قد يُمثّل دليلاً مهماً يوضح كيفية النظر إلى المثلية الجنسية في مصر القديمة.

iStock\ نصوص هيروغليفية

6- قصة سنوحي

يختلف علماء المصريات حول تلك القصة، فمنهم من يقول إنها تروي حكاية شخصية حقيقية عاشت بالفعل في العصور القديمة ومنهم من يعتقد أنها قصة من نسج الخيال، وفي الحالتين تعتبر واحدة من أهم القصص في الأدب المصري القديم. ولأنها جمعت العناصر الأساسية التي تجعل منها قصة “عالمية”، فقد لقب العلماء كاتبها المجهول بـ”شكسبير المصري”.

كتبت قصة الملك سنوحي عام 1875 قبل الميلاد، ولم يكتفِ كاتبها بسرد الأحداث التي عايشها بطل الحكاية، بل وضع تلك الأحداث في إطار فلسفي وناقش قضايا مثل “العناية الإلهية” و”الرحمة”. ووفقاً لعلماء المصريات، يوجد لأفكار هذا الكاتب نظائر في نصوص من الكتاب المقدس.

ويعتقد العلماء أن النص كتب بصورة شعرية، وأن المصريين القدماء كانوا ينشدون هذه الحكاية، ومن المرجح أن قصة “الملك سنوحي” حازت شعبية واسعة في العصور القديمة، والدليل على ذلك نجاة نسخ عديدة منها إلى يومنا هذا.

فقد وُجدت قصة سنوحي مكتوبة على أوراق البردي، كما وجدت مكتوبة باللغة الهيراطيقية على قطعة كبيرة من الحجر الجيري، ويبلغ طول تلك القطعة قرابة 0.9 متر، وهي موجودةٌ اليوم في المتحف المصري بالقاهرة.

5- لوحة نارمر

لوحة نارمر (أو لوحة نعرمر) واحدة من أقدم الوثائق التاريخية، التي كُتبت ورُسمت في نحو عام 3200 قبل الميلاد. تحتوي اللوحة على بعض أقدم الرموز الهيروغليفية المكتشفة على الإطلاق.

صُمِّمت تلك اللوحة الحجرية ليستخدمها المصريون القدماء في طحن المساحيق المستخدمة في الطلاء أو التجميل، ثم استخدموها بعد ذلك ليدوّنوا عليها بعض وقائهم التاريخية.

تصوّر اللوحة الحدث الخاص بتوحيد مصر العليا والسفلى في عهد الملك نارمر (أو نعرمر). يمكن رؤية صور وحوش مختلفة على ظهر اللوحة، إضافة إلى رجل يرتدي التاج الأحمر لمصر السفلى ويظهر واقفاً بحجم أكبر ممَّن حوله. في الوجه الأمامي، يظهر رجل ضخم يرتدي التاج الأبيض لمصر العليا ويُسقط عدواً يعلوه حروف هيروغليفية تُمثّل حروف اسم الملك “نارمر”، في إشارة لنا إلى أنَّ نارمر كان الفرعون الذي وحَّد مصر العليا والسفلى في مملكة واحدة.

iStock\ نصوص هيروغليفية

4- ترنيمة آتون العظمى

ينظر معظم الناس إلى مصر على أنّها حضارة مستقرة طويلة الأمد. لكن شهدت مصر القديمة على مدار تاريخها الطويل مستحدثات وتغييرات، حتى في الدين. ربما الفكرة الأكثر ثورية في العقيدة المصرية جاءت في عهد الفرعون إخناتون عندما قرَّر التخلي عن تعدد الآلهة وحاول أن يفرض على المصريين عبادة إله واحد “الإله آتون”.

حكم إخناتون بدايةً من حوالي عام 1350 قبل الميلاد، وقرَّر تغيير كل شيء لإظهار قوة إيمانه الجديد. أعدَّ أسماء العائلة المالكة لتشمل “آتون” وطوَّر أسلوباً فنياً فريداً، وأسس مدينة جديدة في العمارنة لتكون عاصمة مملكته. صاغ صلوات جديدة لإلهه الواحد “آتون”، وكُتبت ترنيمة آتون العظمى لمدح هذا النظام الديني الجديد وتمجيده.

اعتُبر “آتون” مثل الشمس، حيث يأتي من الشرق وتسطع منه أشعة تمنح الحياة والرخاء وتحافظ على وحدة الأرض وتماسكها. عندما يغرب “آتون”، يختبئ الناس في غرفهم وينامون كما لو كانوا موتى. لم تصمد تلك العقيدة طويلاً بعد وفاة إخناتون، حيث هُجرت عاصمته وعادت مصر إلى آلهتها القديمة.

3- يوميات ميرير

لا يزال هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة حول كيفية بناء أهرامات مصر. يخبرنا الكاتب اليوناني القديم، هيرودوت، بأنَّه سمع من كهنة مصر أنَّ الأهرامات بناها العبيد بالسخرة. لكن علم الآثار أكَّد أنَّ الأهرامات بُنيت بأيادي عمال مصريين تلقوا أجوراً مقابل عملهم. قد تساعد “يوميات ميرير”، وهي أحد النصوص المكتشفة في عام 2013، في إلقاء مزيد من الضوء على عملية بناء الأهرامات، فضلاً عن كونها أقدم نص هيروغليفي مكتوب على أوراق البردي.

اكتُشفت تلك البرديات في كهوف على البحر الأحمر كانت مُخصّصة لتخزين القوارب. كتب هذه النصوص موظف عمومي متوسط الرتبة يُدعى “ميرير” في عهد الفرعون خوفو، وهي عبارة عن دفاتر مكتوبة على أوراق بردي تسجل العمل اليومي في نقل الحجر الجيري إلى موقع بناء الأهرامات. يسجل ميرير كيفية شحن 200 كتلة من الحجر الجيري شهرياً تزن كل واحدة منها أكثر من 2 طن.

2- الكتابة على الجدران (الغرافيتي)

كانت الكتابة باللغة الهيروغليفية مهارة متخصّصة يتميّز بها الكتبة. ربما كان عدد الأشخاص القادرين على قراءة النقوش الهيروغليفية محدوداً أيضاً، الأمر الذي يعني قلة ما وصل إلينا من نصوص كتبها أشخاص عاديون، لكن هناك بعض الكتابات المنقوشة على الجدران بالهيروغليفية تقدم لمحات عن الحياة اليومية لم تُسجل دائماً في النصوص الرسمية.

عُثر على عدد من مثل هذه الكتابات الجدارية المثيرة للاهتمام في مقابر سقارة. تظهر إحداها نقشاً لزوج من الأقدام مصحوباً بنص حول الأطراف. يخبرنا صانع هذا النقش بأنَّه أراد أن يبقى اسمه موجوداً ما دام هذا المعبد موجوداً. نقش كُتّاب آخرون أسماءهم على جدران المباني بنفس طريقة فناني الغرافيتي المعاصرين.

تُكتشف أحياناً كتابات هيروغليفية على الجدران في أماكن مخفية داخل المعابد من غير المتوقع أن يراها أي إنسان. لذا، يُعتقد أنَّها كُتبت بغرض التضرع إلى الآلهة.

1- نقش إسمت أخوم

نحت كاهن يُدعى إسمت أخوم، نقشاً على جدار معبد فيلة في جنوب مصر مصحوباً بصورة لـ”الإله ماندوليس” في 24 أغسطس/آب عام 394 ميلادياً. كان هذا النقش، على حد علمنا، آخر مرة كُتب فيها بالهيروغليفية في مصر القديمة.

يشير هذا النقش إلى مرحلة انتقالية في مصر. عندما أمر الإمبراطور الروماني، ثيودوسيوس، بإغلاق جميع المعابد الوثنية في عام 391 ميلادياً. يعود سبب بقاء هذا المعبد مفتوحاً إلى أنَّه كان بعيداً عن أيدي أولئك الراغبين في فرض المسيحية بمصر بعد دخولها العصر الروماني في تلك المرحلة من تاريخها.