في رمضان 2023 عرض المسلسل المصري “مذكرات زوج”، إخراج تامر نادي وتأليف محمد سليمان عبد المالك عن كتاب الراحل أحمد بهجت بالاسم نفسه، وبطولة طارق لطفي وعائشة بن أحمد، وهو نسخة حديثة من مسلسل عُرض في رمضان عام 1990، بطولة محمود ياسين وفردوس عبد الحميد وإخراج حسن بشير وكتب السيناريو الخاص به أحمد بهجت نفسه.

كما يبدو من العنوان تدور أحداث “مذكرات زوج” بنسختيها حول رجل في منتصف العمر يستيقظ على كابوس مفزع ولكن يكتشف أن حياته المملة أكثر رعبًا، رؤوف في النسختين رجل مقهور، يحيا حياة تبدو من الخارج ممتازة، بيت مستقر وزوجة جميلة وأولاد ناجحون وعمل مناسب، ولكنها حياة خاوية، لا ينتمي إلى أي مما سبق، وتبدأ الحكاية عندما يقرر البطل أن يصبح فاعلًا.

المسلسل الذي يصور القاهرة في بداية التسعينيات من القرن الماضي يستعرض طبقة اجتماعية تلاشت خلال سنوات قليلة تالية، طبقة موظفي الحكومة الميسورين، ولكن في الوقت ذاته لا يمتلكون أكثر من قوت يومهم وما يربون به أبناءهم بشكل جيد.

يتعرض رؤوف في هذه النسخة لقهر مديره في العمل، وكيل الوزارة الذي يغار من نجاح أي من موظفيه، ولضغط مديرة مدرسة ابنته التي تجبر أولياء الأمور على دفع التبرعات رغم مجانية التعليم.

كما يعاني من مشاكل زوجته التي تركت العمل فقط لتتحكم في سير حياة كل أفراد أسرتها ومنهم زوجها، وكذا من ضغط مصاريف العيش ونقص المواد التموينية، وضغط المجتمع بالكامل الذي يسير باتجاه عالم رأسمالي أكثر.

بينما على الجانب الآخر، ركزت نسخة طارق لطفي بصورة أكبر على مشكلة رؤوف مع زوجته التي وضعته على هامش حياتها، بالنسبة لها هو فقط جزء من منظومة أكبر، لديها عملها ووالدها وأولادها وصديقاتها.

يرغب رؤوف طارق لطفي في كسر هذا الروتين واستعادة إحساسه بنفسه كرجل فاعل في حياة من حوله، يعيد بناء علاقاته بالآخرين، سواء أولاده أو زوجته، ويتمرد على هذه القواعد، لذا غابت عن الشخصية الجوانب الأخرى التي نعمت بها في نسخة محمود ياسين.

فرغم التغيرات الاقتصادية التي حدثت في طبقة البطل الاجتماعية خلال السنوات القليلة الماضية، والتي بالتأكيد تشكل ضغطا على أي رجل يمر بمرحلته العمرية، فإن المسلسل قرر تجاهل هذه الجوانب، ووضعها على الحياد وجعل الحياة العاطفية للبطل هي العامل الأهم المحرك للأحداث.

عنوان كل من المسلسلين هو “مذكرات زوج”، أي ليست مذكرات رجل بشكل عام، وبالتالي وجهة النظر التي يتم من خلالها إلقاء الضوء على الشخصية هنا كزوج، ومن المنطقي في هذه الحالة التركيز أيضًا على العامل الذي يحول هذا “الرجل” إلى “زوج” أي الزوجة، ولكن في كلا المسلسلين لم يتم الاهتمام ببناء شخصية الزوجة بالقدر الكافي.

لدينا في الحالتين نمط امرأة يليق مع العصر الذي تدور فيه الأحداث، شيرين التسعينيات امرأة تركت الوظيفة في سبيل العناية بأسرتها الصغيرة، زوجة متحكمة ومنظمة تحرص على أن تسير كل تفاصيل حياة من حولها بانضباط عسكري، لا تظهر على الشاشة إلا لتوجيه النصح أو الأوامر.

شيرين الألفية الجديدة امرأة عاملة، ومديرة في إحدى الشركات الخاصة، تشتهر بصرامتها الشديدة مع موظفيها، تُسير المنزل والشركة بالحديد والنار، وتحكم على الآخرين تبعًا لمعاييرها الأخلاقية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال ترفض زواج والدها مرة ثانية بعد وفاة الأم بسنوات، خوفًا من رأي الآخرين وكذلك خوفا على نصيبها من الميراث.

كلتا النسختين من مسلسل “مذكرات زوج” قدمتا نمطا للزوجة النكدة المسيطرة فقط، دون ربط ذلك ببعض ما يمكن اعتباره من مسببات هذا “النكد”، مثل ضغط المجتمع، والسعي الدائم نحو بناء “العائلة المثالية”، أو غيرها من العوامل المؤثرة في سلوك الزوجة في بيتها وعلاقتها بمن حولها.

بالمقارنة بين النسختين نجد أن الأولى أكثر واقعية ولم تسطح شخصية الزوج، فحافظت على توازنها بين الغضب واليأس والسخرية من الواقع، بينما النسخة الأحدث جعلت الزوج ضحية على طول الخط، وأداء طارق لطفي الرقيق بشكل زائد ربما يجلب تعاطف المشاهد في بعض الأحيان ولكن يجعله يفقد القدرة على التواصل مع المتفرج أحيانا أخرى ويتحول مثل الزوجة إلى مجرد نمط كاريكاتيري.