لا شك في أن تحقيق العدالة في الواقع، يختلف كثيراً عن تحقيق العدالة في فيلم سينمائي؛ فالعقبات الواقعية سهلة الحل في السينما، والكثرة في الواقع يمكن تعويضها ببطل واحد في فيلم، كما أن الطيبة في الواقع خبث، وفي السينما ذكاء، وما لا يحق لك في الواقع، يحق لك في السينما، فلا بأس أن تكذب وتخادع وتختال وتحتال، في مقابل أن تحقق العدالة.
وتأكيداً لحسن النية، ستنقل اسمك من “صادق” إلى “عادل”، بعد أن أعدت الحق لأصحابه، وذلك كما فعل الممثل نجاة إيسلر، بطل الفيلم التركي الجديد “10 أيام من حياة رجل طيب” (10 Days of a Good Man) الذي استند مخرجه أولوش بيرقدار إلى رواية تحمل الاسم نفسه.
يمر المحامي صادق بتحولات جذرية في حياته المهنية والعاطفية، تُسبب له السجن سبع سنوات؛ فمن أحبها تحايلت عليه وأقنعته أن يدخل إلى السجن بسبب قضية احتيال، لا ناقة له فيها ولا جمل، إلّا أنّها وهي المحامية متورطة في القضية ولا تريد دخول السجن، ليدخل صادق بدلاً منها، متحملاً مشقة السجن من جهة، وسوء الصيت الذي لحق به بعد خروجه من السجن من جهة ثانية، ما اضطره إلى أن يعمل محققاً خاصاً يجمع المعلومات لإحدى الشركات الحقوقية التي تديرها صديقته.
نتائج الخضات المهنية والعاطفية والعمل البسيط والحياة اللامبالية التي يحياها صادق، هي الطريق إلى التحول اللاحق والأهم في شخصيته، وهي الطريق الممهد لانتقال الممثل من اسم صادق إلى اسم عادل؛ ما يمثّل انتقالاً من قيمة أخلاقية إلى أخرى. تشكل المسافة ما بين الاسمين/القيمتين، المسافة التي تجري فيها الأحداث، ويُلاحق فيها الخارج عن القانون وتجار الأعضاء البشرية وأصحاب الطقوس الغرائبية الدموية.
يحدث الانتقال في عشرة أيام، وهي المدة التي احتاجها صادق للبحث عن شاب مراهق اسمه مصطفى، كان قد اختفى من منزل والدته. خلال رحلة البحث والاستقصاء وجمع المعلومات عن مصطفى، يتضح أن الأخير أكثر من مجرد شاب ضائع، كما أن والدته ليست الوحيدة التي تبحث عنه، فهو الطفل المدلل لواحد من أعتى المجرمين، وهو صلة الوصل بين “من يبيع البشر” بمختلف أعمارهم و”من يشتري أولئك البشر” من المختلين عقلياً ممن ينظمون الطقوس الدموية بحثاً عن “المتعة الخالصة” في تعذيب وقتل الناس.
كلّ يوم ينقضي من تلك الأيام العشرة، يفقد فيها صادق شيئاً من قيمة الصدق. صحيح أنه في البداية كان صادقاً في سؤاله عن مصطفى، إلا أن المعلومات التي يجدها توسّع مسار البحث ليشمل ملاحقة العصابة وتجار البشر والمضطربين، الذين بدورهم يبحثون عن مصطفى. وبقدر ما كان سؤاله صادقاً، بقدر ما كان كاشفاً وفاتحاً لأحداث لا يمكن توقعها، وكل ذلك يأتي في سياق إرساء العدالة بإيجاد مصطفى أولاً، ومجازاة المجرمين ثانياً.
تتوج هذه العدالة بالنسبة لـ صادق عندما يقرر الانتقام من زوجته السابقة رزان، التي تعود مرة ثانية وتحاول إقناعه بدخول السجن بدلاً منها مقابل مبلغ مالي كبير. لكنه يرفض، ويبتزها بتسجيل صوتي لها تتحدث فيه عن صفقتها التي عرضتها عليه، وقبل مغادرته، تنادي رزان: “صادق تمهل”، يلتفت ويخبرها: “أصبح اسمي عادل”. وهذا الذي يفترض أن يكون رموزاً، ليس سوى خطاب مباشر.
ما بين صادق وعادل، وما بين المحامي والمحقق، وسط كل ما يجرى، هناك صادق الإنسان، ذلك المحب الحالم، الذي تراوده مشاهد وأحلام لغابة استوائية خلاّبة، تتوسطها بحيرة، يبحر فيها صادق مع من يحب، مرة مع حبيبته القديمة، ومرة مع حبيبته الجديدة. إلّا أنها مشاهد لم تخدم الفيلم، عوالم من الرواية أُقحمت، وبدت كأنها دخيلة مع عوالم المحقق في الفيلم. هذا يندرج على عناصر أخرى في الرواية عندما تصبح عناصر فيلمية. لا مجال للمقارنة هنا، يكفي القول إن نجاح الرواية لا يعني نجاح الفيلم، ونجاح الفيلم لا يعني نجاح الرواية، كما أن حالة الفشل تنطبق على ذلك أيضاً.