تركت الحضارة الأندلسيَّة علامةً بارزةً في الثقافتين الإسبانيَّة والبرتغاليَّة، من جميع النواحي، بدءاً من العمارة، وصولاً إلى تخطيط المدن وحتى الطبخ، وبالتالي فإنه ليس من المستغرب أبداً أن نجد شعراء إسباناً، يكتبون قصائد عن المسلمين في تراثهم مثل قصيدة فتيات جيان المسلمات.
قصيدة فتيات جيان المسلمات
القصيدة الشهيرة، هي إحدى القصائد الأندلسية التراثية، التي أعاد كتابتها وتوضيبها ونشرها الشاعر فيديريكو غارسيا لوركا، وقد تحولت في زمنه إلى أغنية أندلسية.
ويحكي لوركا في قصيدته “فتيات جيان المسلمات“، المعروفة أيضاً باسم “عائشة وفاطمة ومريم”، إحدى مآسي التاريخ الإنساني وهي مأساة “الموريسكيين” وهم المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي، بعد سقوط الحكم الإسلامي للأندلس، وأجبروا على اعتناق المسيحية.
وتدور قصة القصيدة حول 3 نساء هنّ عائشة وفاطمة ومريم، خرجن لقطف الزيتون والتفاح، ولكنهن وجدن الأشجار عارية، لأن المسيحيين قد قطفوا ثمارها عندما سرقوا أرضهم.
كما تبيّن القصيدة كيف أنّ ممالك الشمال المسيحية التي سيطرت على الأندلس، أجبرت النساء المسلمات على تغيير دينهن إلى المسيحية، لتصف الحالة النفسية المزرية التي عاشها الموريسكيين الذين بقوا في الأندلس.
تقول القصيدة في كلماتها:
ثلاث فتيات مسلمات رائعات
ذهبن لقطف الزيتون
في “جيَان”
فوجدنه قد قُطف:
وعُدن شاحبات
والألوان مفقودة في جيان
عائشة، فاطمة، ومريم.
ثلاث فتيات مسلمات ناضرات
ذهبن لقطف التفاح
في “جيَان”
فوجدنه قد قُطف:
عائشة وفاطمة ومريم
قلت من أنتن أيتها الآنسات،
يا سارقات حياتي؟
مسيحيات نحن وكنا مسلمات
في “جيّان”:
عائشة وفاطمة ومريم.
فيديريكو غارسيا لوركا.. مسيرة قصيرة انتهت بالاغتيال
ويعتبر فيديريكو غارسيا لوركا أحد أبرز الشعراء الإسبان، كما أنه مسرحي ورسام وعازف بيانو، وُلد في مدينة “فوينتي فاكيروس” بغرناطة في 5 يونيو/حزيران 1898، كان أبوه مزارعاً وكانت أمه معلمة، وقد عانى في بداية حياته صعوبة في النطق وفي المشي.
غارسيا لم يكن مجرد شاعر وحسب، بل هو أحد أبرز كتاب المسرح الإسباني في القرن الـ20، ومسرحيته “برناردا ألبا” أبرز أعماله، في حين تعتبر قصيدته “شاعر في نيويورك” إحدى روائعه الشعرية.
في صيف 1932 سافر إلى أمريكا الجنوبية فزار البرازيل والأرجنتين، حيث عرضت إحدى الفرق المسرحية في مدينة بوينس أيريس 3 من مسرحياته “عرس الدم” و”الإسكافية العجيبة” و”ماريانا بينيدا”، وفقاً لما ذكره موقع “الجزيرة نت”.
وفي يوليو/تموز 1936 رجع لوركا إلى مسقط رأسه، وبعدها بأيام اندلعت الحرب الأهلية في إسبانيا واستولى الجنرال فرانكو على الحكم، ووصلت آثار ذلك إلى غرناطة، فاعتقله جنود أو ميليشيا تابعة للجنرال فرانكو.
بعد أيام في السجن أخرج لوركا بمبرر تمكينه من زيارة قريب له، وفي الطريق أخرج من السيارة وأعدم رمياً بالرصاص بين قريتي فيثنار وألفاكار في 19 أغسطس/آب 1936 بتهمة كونه يسارياً، ولكن جسده كما تنبأ في إحدى قصائده، لم يعثر عليه:
“وعرفت أنني قتلت
وبحثوا عن جثتي في المقاهي والمدافن والكنائس
فتحوا البراميل والخزائن
سرقوا ثلاث جثثٍ
ونزعوا أسنانها الذهبية
ولكنهم لم يجدوني قط”.
الموريسكيون.. مسلمو الأندلس الذين تعرضوا للاضطهاد والاستعباد والترحيل
في عام 1491، تمت السيطرة على كامل شبه الجزيرة الإسبانية من قبل الممالك المسيحية، أعقب الغزو مراسيم فرضت على المسلمين في إسبانيا التحول الديني الإجباري إلى المسيحية، لإبقائهم في البلاد.
كانت مملكة غرناطة آخر مملكة إسلامية في شبه الجزيرة الإيبيرية وتركز في هذه المنطقة أكبر عدد من المورسكيين في أواخر القرن السابع عشر، حيث شكلوا الغالبية العظمى من سكان المملكة الإسلامية، وقد اتسم سكانها بالتحدث باللغة العربية بطلاقة وكانوا على دراية جيدة بالعقيدة الإسلامية، كما كانوا محافظين على أغلب السمات الثقافية المُتعلقة بالأندلس الإسلامية: اللباس والموسيقى، فن الطهو، الأعياد وغيرها.
بعد حرب البشرات (1568-1571) تم ترحيل المسلمين إلى مناطق مُختلفة في مملكة قشتالة والأندلس وإلى إكستريمادورا.
وفي عام 1609، وبأمر من الملك فيليب الثالث في مرسوم صدر في 9 أبريل/نيسان 1609، يقضي بموجبه على الموريسكيين أحفاد السكان المسلمين الذين تحولوا إلى المسيحية مغادرة الأراضي الإسبانية، وقد استمرت أعمال الطرد إلى الشمال الإفريقي المسلم حتى عام 1614.