قالت مجلة فورين أفيرز (FOREIGN AFFAIRS) الأميركية إن بابا الفاتيكان فرانشيسكو قام بزيارته التاريخية الأخيرة إلى العراق مؤخرا ليس فقط بوصفه قسا أو رجل دين، بل جاءها “نادما وطالبا الغفران” عن الغزو الأميركي عام 2003 وما خلفه من إراقة دماء وإشاعة الفوضى، في موقف يعتبر الأقوى والأكثر وضوحا على الإطلاق من قِبل زعيم غربي.

 

وأكدت المجلة -في تقرير للصحفي المتخصص في الشؤون الكنسية فيكتور غايتن- أن زيارة البابا (التي استمرت من 5 وحتى 8 من الشهر الجاري) كانت أيضا وسيلة لخدمة ما يعتبره هو “دَينا أخلاقيا” اتجاه هذا البلد، حيث يرى أن الإهانة والإذلال والصدمات التي عانى منها العراقيون خلال العقود الأخيرة تتطلب عطفا ومواساة.

 

وقال غايتن إن البابا قدم إلى بلاد الرافدين، خلال موسم “الصوم الكبير” -وهي فترة إنكار للذات والتأمل لدى للمسيحيين- “حاجّا تائبا” طالبا الصفح عن خطايا أولئك الذين جلبوا الخراب إلى العراق.

 

وخلال حديثه إلى المسؤولين والدبلوماسيين في اليوم الأول من زيارته، أعرب البابا عن الندم على “الموت والدمار والخراب” الذي لحق بالعراقيين منذ ما يقرب من 20 عاما، موضحا أنه جاء “تائبا يطلب المغفرة من السماء ومن إخوانه وأخواته”.

ورغم أنه لم يذكر صراحة أطرافا أو دولا بالاسم، فإنه حدد أن المذنب هي “تلك المصالح الخارجية غير المهتمة بالسكان المحليين”.

 

وقد عارض الفاتيكان في 2003 الغزو الأميركي للعراق، ومن المعروف أن بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولس الثاني أرسل آنذاك وفدا شخصيا لمناشدة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بالعدول عن مخطط الهجوم.

 

كما حذر مسؤولو الفاتيكان آنذاك الرئيس بوش من أن أي عمل عسكري من شأنه أن يطلق العنان للتطرف وعدم الاستقرار ويتسبب في التضحية بالمجتمعات المسيحية في المنطقة، لكن إدارة بوش لم تتفاعل مع هذه التحذيرات بالرغم من أنها سعت لحشد “دعم ديني” لقرار الغزو.

 

وتضيف المجلة أن البابا فرانشيسكو يدرك اليوم جيدا هذه المسألة وأن السياسيين الغربيين دوما ما حاولوا جاهدين تجنيد الزعماء الدينيين للمساعدة في تبرير الحرب -لا سيما في العراق- وهو اختيار يعتبره “خطيئة نفاق كبيرة”.

 

وتختم المجلة بأن البابا فرانشيسكو يحاول -سيرا على خطى سلفه يوحنا بولس الثاني الذي طلب عام 1985 المغفرة عن ممارسات العبودية الاستعمارية في “العالم الجديد” وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي- تطبيق شعائر المصالحة، ليس عن التجاوزات التاريخية، ولكن عن المشاكل المعاصرة، مِن رفض استقبال اللاجئين في أجزاء من أوروبا إلى إرث التدخل الغربي في الشرق الأوسط.

 

وقد جاء إلى العراق ليس فقط لتشجيع شعب هذا البلد العربي المسلم على نبذ الكراهية والتعالي عن الانقسامات الطائفية، ولكن ليعترف لهم بكل بساطة وقوة ويقر بالممارسات الخاطئة التي ارتكبت بحقهم.