بعد خروج بريطانيا من الاتحاد عاد التفكير والنقاش حول إمكانية إحياء لغة قديمة وجعلها ركيزة أساسية لكيان سياسي. فهل تستطيع أوروبا إحياء اللاتينية واعتمادها لغة رسمية مشتركة بعد بريكست؟

 

في تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، يقول الكاتب سوندار رامانادان إنه منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، تناول كثير من الخبراء مستقبل القارة العجوز اللغوي، وتعالت الأصوات التي تطالب بالتخلي عن الإرث البريطاني والبحث عن لغة جديدة توحّد القارّة.

 

وفي هذا الصدد، اقترح البعض اعتماد نسخة مبسطة من اللغة الإنجليزية تستخدم فقط الكلمات والعبارات الأكثر شيوعًا، وتخدم المصالح التجارية والتبادل الحر، وطالب آخرون باعتماد الألمانية أو الفرنسية لغة موحدة لدول الاتحاد الأوروبي.

 

وحسب الكاتب، فإن الهوية اللغوية مسألة تحظى بأهميّة بالغة خاصة عندما يتعلق الأمر بكيان سياسي كبير مثل الاتحاد الأوروبي، وقد اعتمدت عدة كيانات ودول على العودة إلى ماضيها اللغوي لبناء حاضرها السياسي.

 

ويرى الكاتب أن على أوروبا -إذا كانت تخطط لأن تكون أكثر من مجرد سوق موحّدة- التركيز على فكرة اعتماد لغة مشتركة تحمل العناصر الرئيسية للهوية الأوروبية. ومن هذا المنظور، يمكن أن تكون اللاتينية خيارا مناسبا بديلا للإنجليزية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

 

ويضيف الكاتب أن من يرى عكس ذلك، يمكن أن يبحث في ماضي القارة ليرى أهمية اللاتينية كعنصر موحِّد، حيث اعتمدت عليها الإمبراطورية الرومانية، وأوروبا المسيحية، ومفكرو عصر الأنوار، و”هي لغة الشاعر الروماني القديم فيرجيل صاحب الإلياذة (توفي 19 قبل الميلاد) والشاعر اللاتيني الروماني كتولوس (توفي سنة 54 قبل الميلاد)، ولغة القديس أوغسطين (توفي 430) ولوثر (توفي 1546)، ولغة الفلاسفة مثل ديكارت (توفي 1650) وإيراسموس (توفي 1536) ولغة سبينوزا (توفي 1677)، وهي أيضًا لغة الأديرة التي سمحت بالحفاظ على الثقافة الأوروبية.

 

ويتابع الكاتب بأن اللغة اللاتينية تحمل في طياتها ألفي عام من الثقافات المتنوعة، وقد كانت طيلة هذه الفترة همزة وصل ووعاء للأفكار المختلفة، ووحّدت أوروبا ضمن هوية مشتركة. كما كانت المنبع الذي تشكلت منه اللغات الأوروبية الحديثة، سواء في بنائها النحوي أو في معاجمها.

ويعتقد الكاتب أن اللاتينية لغة سياسية بامتياز، إذ كانت مرجعا لأجيال من البرلمانيين في الدول الأوروبية -خاصة الثقافة الأنجلوسكسونية- التي تملك تقاليد سياسية عريقة، وجعلت أجيالا من السياسيين يمتلكون فن الخطابة والتأثير.

 

وحسب رأيه، يمكن أن تصبح اللاتينية مجددا اللغة الرسمية لأوروبا، وتشكل رمزا للقوة والصرامة والإرادة المشتركة والرغبة في ضمّ عدد جديد من الدول إلى الاتحاد الأوروبي.

 

ويتضح -وفقا للكاتب- أن أوروبا تستطيع أن تحيي اللغة اللاتينية وتعتمدها لغة رسمية للقارة، بشرط أن تكون هناك إرادة جدية وطموح لتطوير هوية موحدة تتجاوز الخصوصيات الوطنية.

 

وكانت اللاتينية كذلك لغة رسمية لبلدان أوروبية مثل مملكة المجر من القرن الـ11 إلى منتصف القرن الـ19، وكرواتيا من القرن الـ13 إلى القرن الـ19، ومملكة بولندا بين القرنين الـ10 والـ18.

 

وظلت اللغة اللاتينية لغة العلم والدراسة في أوروبا الوسطى والغربية حتى القرن الـ17، حيث حلت محلها لغات محلية تدريجيا، وكانت لغة العلاقات الدولية والدبلوماسية كذلك، قبل أن تتوسع اللغة الفرنسية أولا ثم الإنجليزية لاحقا كلغات عالمية.