وقال فيما كان يقف أمام لوحة كبيرة تضم تاريخ وأسماء أفراد من عائلة الخالدي “عملية الترميم تحتاج إلى كوادر كبيرة، وإمكانياتنا متواضعة… يجب أن يكون لدينا كادر مهني مختص في الترميم فهناك الآلاف من المخطوطات التي أنتجت هنا وفي القدس”.
كأم تحمي صغيرها، يضع خبير ترميم المخطوطات رامي سلامة اللمسات الأخيرة على مجموعة نادرة من المخطوطات تجاوز عمر بعضها 700 عام موجودة في مكتبات فلسطينية في مدينة القدس.
يُقلّب سلامة بعناية إحدى المخطوطات بين يديه وهو يجلس في مختبر الترميم الذي تم إنشاؤه في المكتبة الخالدية التي لا تبعد سوى 140 مترا عن باب السلسلة، أحد بوابات المسجد الأقصى.
ويقول لرويترز “تمر عملية ترميم المخطوطات بعدة مراحل”.
عملية الترميم
تبدأ المسألة بتوثيق المخطوطة وفحص حالتها وتحديد ما تتطلبه من ترميم. وبعد التوثيق تبدأ عملية الترميم التي تمر بأكثر من مرحلة أولها التنظيف الميكانيكي “باستخدام فراشي ناعمة وإسفنج خصوصي”.
ويأتي عمل سلامة في إطار مشروع أطلقته المكتبة الخالدية التي تأسست قبل حوالي 120 عاما ضمن مشروع (الحفاظ على تراث القدس المكتوب) الذي بدأ في عام 2020 بالشراكة مع المكتبة البديرية ومكتبة دار إسعاف النشاشيبي التابعة لمؤسسة دار الطفل العربي.
وذكرت نشرة للمكتبة الخالدية أن “هذه المكتبات، وهي مكتبات وقفية خاصة، من أهم حاضنات التراث الثقافي المقدسي، والتي تضم محتوياتها أكثر من 2500 مخطوطة أصلية نادرة تعود أقدمها إلى ما قبل العصر الأيوبي والموجودة ضمن محتويات المكتبة الخالدية”.
وتضيف النشرة “تضم أيضا هذه المكتبات مجلات وصحفا وكتبا نادرة بلغات عدة منها العربية، والفارسية، والعثمانية والفرنسية، وأرشيفات لبعض الشخصيات المقدسية”.
ويعتمد الوقت الذي يحتاجه ترميم أي مخطوطة على حجم التلف الذي لحق بها بسبب عوامل خارجية من أهمها الرطوبة خصوصا وأن عمر بعض هذه المخطوطات مئات السنين.
وذكر سلامة أن بعض المخطوطات تحتاج إلى شهرين من العمل حتى تعود لما كانت عليه قبل تأثرها بعوامل منها الرطوبة والحشرات وغيرها.
ويستخدم سلامة أنواعا خاصة من الورق في عملية الترميم منها القطني الذي يهدف إلى امتصاص الرطوبة والبوليستر ليشكل عازلا بين ورق المخطوطات.
قال “هناك بعض المخطوطات التي يتم ترميمها من خلال عملية الغسيل بخلط الكحول مع الماء بنسب معينة تعتمد على نوعية الحبر المستخدم ولونه”.
المرحلة الأخيرة
وأضاف “المرحلة الأخيرة هي مرحلة التجليد وتمر بخطوتين: مرحلة الخياطة وهي عملية سهلة وسريعة، وبعد ذلك إما أن نستخدم نفس الغلاف القديم إذا كان في مجال وإن لم يكن نستخدم غلافا جديدا من جلد طبيعي وألوان طبيعية حسب لون الغلاف الأصلي”.
ويهدف المشروع الذي نُفذ بدعم من مؤسسة (أليف السويسرية) إلى تهيئة البيئة المناسبة للحفاظ على المخطوطات في درجة حرارة ورطوبة معينة للحفاظ عليها من التلف.
ومن المقرر أن تنتهي هذه المرحلة من المشروع في منتصف العام الجاري.
وسيكون المشروع مكملا لما قامت به مكتبات الخالدية والنشاشيبي والبديرية من رقمنة لمخطوطاتها بدعم من متحف ومكتبة هيل للمخطوطات في الولايات المتحدة.
عائلة الخالدي المقدسية
وقالت شيماء البديري مسؤولة قسم التصوير والتوثيق في المكتبة الخالدية إنها أنجزت تصوير 25 ألف ورقة من صحف ومجلات ووثائق نادرة خلال العام الماضي.
وأضافت لرويترز فيما كانت تواصل عملها في المكتبة على أرشفة أعداد قديمة من صحيفة (طنين) العثمانية “نحن نعمل على تصوير الصحف والمجلات بتقنية عالية تحافظ على كل ما هو موجود في النسخة الأصلية حتى نسهل للباحثين الوصول إليها”.
وتابعت قائلة “نعمل الآن على أرشفة الصحف والمجلات وبعض الوثائق المكتوبة بخط اليد في الفترة الممتدة بين عامي 1896 و1930”.
ويأمل رجا الخالدي، أحد القائمين على وقف عائلة الخالدي في مدينة القدس، أن تبقى المكتبة الخالدية كما تأسست قبل 120 عاما قبلة للباحثين والدارسين في مبنى يعود للقرن الثالث عشر.
المكتبة الخالدية
وتوضح نشرة حول المكتبة الخالدية أنها “مكونة من ثلاث بنايات تقع على جانبي طريق باب السلسلة: المبنى الرئيسي بُني في القرن الثالث عشر، ثم ملحق من زمن المماليك من القرن الخامس عشر (يحتوي على مجموعة الكتب المطبوعة)، ثم جناح عثماني من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مخصص للبحّاثة والدارسين الزوار”.
ويحتوي المبنى الرئيسي بحسب النشرة “على محراب وأضرحة ثلاثة من الأمراء الخوارزميين المحاربين الذين شاركوا في تحرير القدس من الصليبيين خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر”.
وقال الخالدي لرويترز “تجمع المكتبة مخطوطات تعود الى ما بين 700 و900 سنة من المخطوطات الإسلامية النادرة”.
وأضاف “المكان الى حد ما رمز الالتقاء بين الناس والتاريخ والمعرفة ونحن قائمون على حماية هذا الموروث الثقافي وعرضه للناس بطريقة يمكن الوصول إليها”.