بعد حوالي 5 سنوات على المجازر المأساوية التي ارتكبها عناصر تنظيم داعش بحق الثقافة والتاريخ في مدينة موصل العراقية، وإحراق آلاف الكتب التي اعتلت رفوف المكتبة المركزية لجامعة الموصل وتدمير المخطوطات النادرة، التي تعود إلى زمن تأسيس الدولة العراقية، تحاول العاصمة الشمالية إحياء ما تم تدميره وإعادة بناء فخر المدينة.
الموصل المعروفة تاريخيا كمركز للأدب، لطالما اشتهرت بمكتباتها الزاخرة بالكتب النادرة المحفوظة منذ مئات السنين. لكن إبّان سيطرة تنظيم داعش على المدينة الواقعة في شمال العراق بين 2014 الى 2017 ، منع التنظيم السكان من قراءة المؤلفات التي تتعارض مع أفكاره المتطرفة تحت طائلة العقاب.
يستذكر محمد يونس، المدير الفني لمكتبة الجامعة المرموقة، المذبحة التي شهدها عقب استعادة مدينتهم من قبضة تنظيم داعش منتصف عام 2017، بعد معارك ضروس. وقال يونس: “عندما عدنا إلى المكان، وجدنا الكتب مرمية على الأرض، وهي محروقة”.
أحرقت النيران آلاف الكتب في الفلسفة والقانون والعلوم والشعر والتي تتعارض بطريقة ما مع النظرة العالمية المتطرفة لداعش. وبيع الثمين والنادر منها في السوق السوداء.
وأضاف يونس وهو في الخمسينات من العمر قائلا: ” قبل دخول داعش إلى المدينة، كان لدينا أكثر من مليون كتاب تقريبا، ومصدر علمي، البعض منها نادر ولا يمكن العثور عليه في أي جامعة أخرى في العراق”.
وبعد أن احتل تنظيم داعش مدينة الموصل، وبسط سيطرته على المكتبة المركزية فيها وعلى هذا الصرح الثقافي الضخم، تم القضاء على حوالي 85% من محتويات المكتبة التي أسست عام 1967. واتخذت المكتبة، خلال الفترة الأخيرة، موقعا بديلا ضيقا ضمن كلية الهندسة في الجامعة نفسها.
وبدت الرفوف الصفراء مثقلة بالكتب المكدسة في أرجاء المكان، بينها ما وُضع داخل صناديق وأخرى مرصوفة على الطاولات.
الطالب السابق في جامعة الموصل طارق عطية، البالغ من العمر 34 عامًا، يصف جامعة الموصل قبل دخول داعش “بأم الكتب”، ويؤكد أن “هناك فرق شاسع بين ما كانت عليه سابقا وما هي عليه اليوم (بعد داعش)”.
إعادة إحياء المكتبة
الآن ومن خلال التبرعات، تحاول الجهات المعنية، إعادة إحياء ما تم تدميره، ورص رفوف المكتبة بالكتب مرة جديدة. ومن المقرر أن يتم افتتاح المبنى الذي تم تجديده وتطويره بعد جهود كبيرة ودعم إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، نهاية شباط/فبراير.
ويتألف المبنى الذي تم تحديثه من أربعة طوابق مع واجهات زجاجية داكنة أنيقة، وبحسب المعلومات قد يحتوي في المراحل الأولى على 32000 كتاب. هذا وسيضم مؤلفات أخرى يمكن الوصول اليها إلكترونياً. ويُتوقع أن تضم في نهاية المطاف حوالى مليون كتاب.
يشير يونس إلى أنهم تلقوا تبرعات كبيرة من جامعات عربية وعالمية “لإعادة إحياء المكتبة”، وأضاف أن شخصيات مرموقة وعائلات بارزة في الموصل وفي مختلف أنحاء العراق ساهمت أيضا بدعم إعادة إحياء المكتبة.
الموقع الاستراتيجي للمدينة، التي تعد ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد، جعل منها مركزا تجاريا رئيسيا في الشرق الأوسط لسنوات طويلة ومقراً لعدد كبير من الأعمال النادرة والقديمة، بينها الكتب الدينية.
المدينة الثرية بمعالمها التاريخية كانت قادرة على الحفاظ على آلاف الأعمال النادرة والقديمة، ولا سيما النصوص الدينية. المطبعة العراقية الأولى بدأت بالعمل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في الموصل.
شهية للقراءة
قال أحمد عبد أحمد، رئيس مكتبة الأوقاف المركزية بالموصل، إن المكتبة كانت تحتوي على مخطوطات يعود تاريخها إلى 400 عام، وبصوت يملؤه الحزن أضاف: “اختفت جميعها”.
وفي طرف آخر من المدينة، لا تزال مشاهد الدمار مروعة للغاية في شارع النجيفي، والذي كان يعد من أهم شوارع مدينة الموصل القديمة، ويعرف بشارع المكتبات والمثقفين.
العديد من المتاجر تركها أصحابها، وقلة هم من قرروا إعادة ترميم مكاتبهم ومحالهم وفتح أبوابهم مجددا، بينهم السبعيني أسامة الكركجي الذي يبيع الكتب الدينية والدفاتر والأقلام، في المكتبة التي ورثها عن والده.
هذا وشرعت المكتبة العامة المركزية في الموصل، التي تأسست قبل قرن من الزمان، وكانت تضم أكثر من 120 ألف عنوان، أبوابها مجددا أمام أهل المدينة وعشاق القراءة في أواخر عام 2019، بعد ترميمها، وقال مديرها جمال العبد ربه: “فقدنا 2350 كتابا في الأدب والاجتماع والدين”.