رغم اتساع حملات التنقيب ودخول الكثير من البعثات الأجنبية إلى المواقع الآثارية في محافظة ذي قار جنوبي العراق خلال السنوات الماضية، فإن اكتشاف 3 مواقع مهمة خلال الأشهر الأخيرة من قبل عدد من تلك البعثات التي تحضر بين الحين والآخر، من شأنه أن يحلّ الكثير من الألغاز في مجال دراسة تاريخ العراق القديم.
كانت الاكتشافات مهمة من الناحية الآثارية، فقد عثر في غرب الناصرية مركز محافظة ذي قار على قصر لأحد الملوك البابليين، في حين عثر في شمال المحافظة على مسجد يعود للعصر الإسلامي، وهو أول اكتشاف يعود للفترة الإسلامية المبكرة. كما تم الكشف عن معبد سومري آخر شمال الناصرية أيضا. وهذه الاكتشافات الثلاثة تعتبر الأهم بالنسبة لفرق وبعثات التنقيب العراقية والأجنبية.
ويمكن القول إن الاكتشافات الأثرية في محافظة ذي قار كانت مثيرة، فقد اكتشفت بعثة المتحف البريطاني المتكونة من 20 خبيرا معبدا مهما لأول مرة في مدينة كرسو السومرية (مدينة دينية تابعة لمملكة لكش) التي تسمى محليا بـ”تلو” الواقعة في قضاء النصر (60 كلم شمال الناصرية)، وكل البعثات القديمة التي عملت في المكان من قبل كانت قد رصدت كتابات ولم تعثر على المعبد، كما يقول مدير آثار ذي قار عامر عبد الرزاق.
ويضيف عبد الرزاق أن البعثة الفرنسية عندما عملت عام 1887 في تلك المنطقة عثرت على مادة الآجر (مادة تتكون من الطين والتبن تستعمل للبناء) التي دوّن عليها وجود المعبد، إذ عثر فريق البعثة آنذاك على تماثيل الملك كوديا (أحد حكام مملكة لكش السومرية)، لكن لم يجدوا المعبد، بل وجدوا قصرا حديثا مبنيا فوق المعبد، لكن البعثة البريطانية اكتشفت المعبد وهو معبد “الأنينو”.
وبحسب الترجمة السومرية -كما يوضح عبد الرزاق- فإن الأنينو يطلق عليه اسم معبد الخمسين، وهو رمز للإله “ننكرسو”، الإله الرسمي في مدينة كرسو، وهو إله الري والأقاليم. ووفق ما هو معروف، فإن كل إله لديه رمز عددي في العراق القديم.
ويعتبر اكتشاف المعبد أهم اكتشاف أثري لحد الآن بمحافظة ذي قار، بحسب تأكيد عبد الرزاق، إذ سيتم إكماله خلال موسم التنقيب المقبل، كما أن البعثة وفي الموقع نفسه بالقرب من المعبد عملت على صيانة أقدم جسر عرفته البشرية، وهو جسر مدينة كرسو، وعمره أكثر من 4 آلاف عام وكان يستعمل كناظم للمياه وجسر لعبور المشاة أيضا.
يوجد في محافظة ذي قار أكثر من 1200 موقع أثري، وتعود هذه المواقع لحقب زمنية مختلفة، حيث تنتشر على مساحات شاسعة في عدد من المناطق في جنوب وشمال وغرب وشرق المحافظة، بعضها قريب من المدن، وأخرى لا تزال مجرد تلال غير منقبة، وأصبحت بمرور الزمن عرضة للسرقة، وتم التنقيب في 20 موقعا أثريا فقط بشكل بسيط.