يساهم المحتوى المرئي والمسموع في تشكيل وعي الأطفال، وتلعب “ديزني” (Disney) دورا كبيرا في هذا الشأن منذ قرن تقريبا، فهي الأستوديو الذي قدم عشرات الأفلام التي شكلت ذهن أجيال متعاقبة من الصغار، بداية من قصص الأميرات التي رسخت لسنوات أفكارًا حول هشاشة المرأة، والأمير المنقذ، حتى الأفلام في العصر الحالي التي تحاول مجاراة التغييرات التي تحدث في العالم، والاتجاه نحو مبادئ أكثر تحررًا وانفتاحَا نحو الآخر.

وفيلم “إنكانتو” (Encanto) أحدث أفلام ديزني، الذي بدأ عرضه سينمائيا في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ما هو إلا خطوة جديدة في الخط نفسه الذي انتهجته الشركة لنفسها خلال السنوات الأخيرة.

 

عالم سحري يغلف الواقع

تدور أحداث فيلم “إنكانتو” في عالم واقعي عادي، لكن أبطاله يحملون قدرات سحرية، فقديمًا وبسبب حرب العصابات في أميركا الجنوبية تفقد “ألما” زوجها، لكنها تفلح في إنقاذ توأمها الثلاثي “جوليتا” و”بيبا” و”برونو”، وشجاعتها الفائقة هذه تمت مكافئتها بشمعة سحرية، تحرس عائلتها، وتؤمن لكل فرد منهم قوة سحرية يكرسها لمساعدة أهل قريتهم الصغيرة، ويكبر الأولاد وتتزوج الفتاتان وتنجبان أطفالا ليصبح لديهم جيل آخر من الموهوبين، ما عدا المراهقة “ميرابيل” التي تحرم من الموهبة، ويغيب عن الصورة الخال “برونو” الذي كانت قدرته الخارقة هي قراءة المستقبل، مما اعتبره الكثيرون في العائلة وخارجها مصدرا للتشاؤم والبحث عن المصائب، فاختفى.

إذن، لدينا هنا العائلة السحرية الخيرة، ولكن في الوقت ذاته لدينا “آخر” أو غريب من أفراد العائلة أنفسهم، وهما ميرابيل وبرونو اللذان لا ينسجمان مع الصورة التي تحميها الجدة ألما، ليذكرنا ذلك بفيلم “كوكو” (COCO) إنتاج ديزني وبيكسار عام 2017، الذي تدور أحداثه بصورة مشابهة في بلدة لاتينية أخرى هي المكسيك، وحول الطفل “ميجيل” الذي تربى في عائلة أمومية من أجيال متعاقبة تسيطر عليها جدة، تحظر على أبنائها وأحفادها الغناء لأنه السبب في هجر زوجها لها، حتى يأتي ميجيل الموهوب في الموسيقى ليصبح “الآخر” والشخص الملفوظ داخل عائلته مثل ميرابيل وبرونو.

في كلا الفيلمين هناك طفل غير مقبول بشكل كامل من أهله، سواء بسبب هوايته بالنسبة لميجيل في فيلم “كوكو”، أو بسبب غياب الموهبة لدى ميرابيل، أو اختلافها لدى برونو في فيلم “إنكانتو”، بطل الفيلم هنا هو الآخر الذي يعاديه مجتمعه، طفل يعاني مثل ملايين الأطفال الذين يشاهدون الفيلم ويشعرون بأنهم الغرباء وسط مجتمعاتهم بما تحمله من فردية، فالفيلم هنا يتماهى مع جمهوره الحقيقي، لا يحاول أن يقدم بطلًا ينبهرون به، بل بطلًا يشعرون بالاتصال معه، بأنه يشبههم ومنهم.

الموهبة وأهميتها

يتلاقى فيلم “إنكانتو” كذلك مع فيلم حديث من إنتاج بيكسار وديزني وهو “روح” (Soul) الذي صدر في 2020، وذلك في نقطة أهمية الموهبة من عدمها. ففي فيلم “روح” يكتشف البطل “جو” بعد مغامرة طويلة أن الاستمتاع بالحياة اليومية البسيطة وتفاصيلها الحميمية أكثر أهمية من لحظة مجد زائلة أو الجري وراء شغف وموهبة مثل المحموم، وهو الاتجاه المعاكس للغاية للسائد في سينما كرّست لسنوات لأهمية الموهبة وتعتبر كلمة الشغف مقدسة.

ميرابيل في “إنكانتو” هي الوحيدة فاقدة الموهبة في عائلتها، بين أخت وأبناء خالة، كل منهم يكرس قدرته الخارقة لحياة عائلته وقريته لا تجد لنفسها موضعًا في هذا العالم، حتى تكتشف قرب النهاية أن المجد للشخصيات العادية، وأنها بقدراتها البشرية الطبيعية استطاعت إنقاذ الجميع.

مرة أخرى تعيد ديزني حساباتها فيما يتعلق بتكريس أهمية الشخصيات الخارقة أو ذات الدماء الملكية، وتهتم بشخصيات عادية لا تمتلك ما يميزها بشكل واضح، لكن وجودها في الحياة ميزة كافية.

 

أبطال ديزني الملونون

التغيير الأكثر وضوحًا بين أفلام ديزني الحديثة هو لون بشرة أبطالها، فبعد قرن تقريبًا من الأبطال بيض البشرة ما عدا استثناءات قليلة للغاية مثل “بوكاهنتوس”، أصبح لدينا أبطال من أصول مختلفة، وفي دور البطولة، فجو بطل فيلم “روح” هو أول شخصية رئيسية من أصول أفريقية في فيلم من أفلام ديزني وبيكسار على سبيل المثال.

لكن في “كوكو” و”موانا” و”إنكانتو” لدينا عالم فيلمي مبني بالكامل على ثقافة أخرى، حيث استدعت الثقافة اللاتينية انتباه صناع أفلام ديزني مؤخرًا بما تحمله من جانب سحري وكذلك شخصيات ثرية لها صراعاتها المختلفة عن صراعات الطفل الأبيض العادي، ولكن في الوقت ذاته قادرة على مس مشاكله بصورة واقعية.

 

وظهر في فيلم “كوكو” الاهتمام بالثقافة اللاتينية أكثر من “إنكانتو”، حيث قام بالأساس على فكرة عيد الموتى المكسيكي الذي يتم الاحتفال به سنويًا لإحياء ذكرى أفراد العائلة غير الأحياء، وانتقال ميجيل إليهم ليساعدوه على تغطي الإرث العائلي، أما فيلم “إنكانتو” فهو على العكس يمكن أن تدور أحداثه في أي بلد حول العالم، فلم يحمل أصالة معينة تجعله مرتبطًا بالبلد الذي تدور فيه أحداثه.

وربما أتى هذا الاتجاه بتقديم قصص من ثقافات متنوعة لأسباب لا تتعلق فقط بالصواب السياسي، ولكن أيضًا بأهداف تجارية، فمع نشأة منصة ديزني بلس الإلكترونية ووصولها إلى العديد من البلدان حول العالم، أصبح من المهم اجتذاب المشاهدين من كل الثقافات.