جلال الدين الرومي هو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي (1207-1273) من أسرة علمية ترتبط بالمصاهرة للدولة الخوارزمية وينتهي نسبها إلى الخليفة أبو بكر الصديق. وهو شاعر وفقيه حنفي ومنظِّر وقانوني صوفي. أصوله فارسية، وعاش في تركيا، وعرف بالرومي لأنه قضى حياته في بلخ بالأناضول أيام سيطرة الروم السلاجقة.
صاحبه المقرب وأستاذه الروحي كان الشاعر الفارسي شمس التبريزي الذي عاش معه لسنوات طويلة في بيت واحد.
توفى في ديسمبر/كانون الأول 1273 في قونيا (جنوب أنقرة). بعد وفاته أسس أتباعه وابنه سلطان ولد “الطريقة المولوية” الصوفية التي اشتهرت بدراويشها ورقصهم الروحاني الدواري (المولوي) على أنغام موسيقية وأشعار كتبها جلال الدين الرومي.
الرومي الشاعر والأديب
اشتهر الرومي بكتابه المثنوي المعاني، وهي قصائد فارسية بحدود ألف بيت يجلها الصوفيون، وهي أجمل ما كتب في “العشق الإلهي والصوفي”، ومن أهم الكتب الشعرية الصوفية.
وتقدر أشعار الرومي بـ40 ألف بيت شعري، وله أيضا ديوان شمس التبريزي الذي كتبه عن ملهمه وشيخه التبريزي بعد رحيله.
وتعد رباعياته الشهيرة (1959 رباعية) أهم ما تركه من آثار، إذ تضمنت 3318 بيتا.
كما ترك الرومي آثارا نثرية منها “الرسائل” لمريديه ومعارفه ورجال الدولة، و”المجالس السبعة” جمع فيها مواعظه. وكتابه “فيه ما فيه” يضم 71 محاضرة مختلفة.
درس الفقه والعلوم الدينية على والده، ثم تأثر بالشيوخ أثناء إقامته في دمشق والأناضول وبغداد وقونيا كسيد برهان الدين البلخي، وتأثر بالترمذي، ومحي الدين بن عربي، وفريد الدين العطار الذي أوصى والد الرومي “اعتن بهذا الولد فعن قريب سينفث في العالم نفسا مشتعلا”.
ومع احتلال المغول لمدينته بلخ اضطر والده وعائلته للمغادرة إلى بغداد ثم مكة واستقر هو في قونيا.
الرومي المُعلم
بعد رحيل والده باشر بإعطاء الموعظة للناس، وغادر إلى الشام ليستزيد من العلم والفقه. وحصل على مبتغاه بمساعدة الشيوخ والعلماء، ثم عاد إلى قونيا ليبدأ رحلة الموعظة والرشد لمريديه وتلامذته فلقبوه بأسد المعرفة، ومولانا، وإمام الدين والشريعة، وسلطان العارفين لنبوغه الفكري والفقهي.
وارتبط كثيرا بالشيخ التبريزي فتحول إلى التصوف الفلسفي بعد تجربته بالعلوم الفقهية والشرعية.
أشهر قصائده “أنين الناي” يقول فيها:
أنصت إلى الناي يحكي حكاياته
ومن ألم الفراق يبث شكايته
ومذ قطعت من الغاب، والرجال والنساء لأنيني يبكون
أريد صدراً مِزَقاً برَّحه الفراق
لأبوح له بألم الاشتياق
فكل من قطع عن أصله
دائماً يحن إلى زمان وصله.
فلسفته الصوفية تحث على التسامح بين الناس بعيدا عن مذاهبهم، لذا حمل نعشه أشخاص من عدة ملل (فرس وأتراك وعرب وسلاجقة روم) إلى القبر جوار والده، وسمى أتباعه هذه الليلة “العرس” وما زالوا يحتفلون بها إلى اليوم.
وفي مجمع جلال الدين الرومي بقونيا يقوم المتصوفة من أتباعه بعروضهم الراقصة التي تلقى إقبالا منقطع النظير من أهل المدينة وزوارها على حد سواء.
من أبرز من ترجم أشعاره وأفكاره إلى العربية الأديب عيسى العاكوب وقبله الشيخ الصاوي الشعلان ومحمد كفافي وحسين مجيب المصري ومحمد إقبال وغيرهم.
وقد جرت محاولة لإنتاج فيلم سينمائي يجسد حياته رُشح لبطولته النجم ليوناردو دي كابريو لكن المحاولة لم تثمر شيئا.
أثره في العراق
والرومي رغم زيارته لبغداد ومكوثه فيها لسنوات فإنه لم يترك أثرا ماديا، لكنه ترك إرثا ثقافيا تجلى من خلال مريديه من المتصوفين، منهم الدكتور عبد الجبار الرفاعي الذي كتب عن الرومي الكثير، نتإن زيارته لضريح الرومي وضعته عند أحد أغنى منابع إرواء ظمأ الروح وأثراها.
ويضيف الرفاعي أنه وجد في مفهوم الرومي للدين أنه لا يكره الحياة ولا يخاف الفن ولا يزدري الفرح، بل هو دين التضامن ضد دعوة الموت بكل أشكالها، دين ليس على الضد من الطبيعة البشرية ويدعو للبهجة ويحتفي بالمسرة والمحبة ويهمه تطهير القلب من الحقد وجعله مفتاحا لطهارة الإنسان. ويثق برحمة الخالق وبقدرته على مسامحة الخطائين.
ومن المتأثرين بالرومي القاص العراقي خالد الوادي الذي قال إنه تأثر كثيرا بالرومي وشيخه التبريزي، لا سيما في “قضية الحب الإلهي والإيمان بالله لأبعد الحدود”.