كانت كاتبة الروايات البوليسية إيثل لينا وايت تقارن بشكل إيجابي مع كل من إدغار ألان بو وأغاثا كريستي ودوروثي إل سايرز.
وحتى أنها عاونت المخرج البريطاني الشهير ألفريد هيتشكوك عندما ساعد فيلمه المقتبس من أحد كتبها على إطلاق مسيرته الفنية في هوليوود.
إلا أنه وبعد قرابة 80 عاماً على وفاتها، يبدو أن قلة قليلة فقط من الناس لا تزال تذكرها.
والآن تأمل مجموعة من المؤرخين بنشر قصة الكاتبة التي لا يعرف عنها الكثير والتي ألهمت أعمالها أفلام هوليوود.
سيوضع رمز للماسح الضوئي (كيو أر كود) بالقرب من اللوحة التذكارية الزرقاء في مسقط رأسها ببلدة أبرغافني في مقاطعة مونماوثشاير، لمساعدة الناس على التعرف على حياتها بصورة تفاعلية.
وُلدت إيثل في شارع فروغمور في العام 1876، لوالدها البنّاء ويليام وايت وزوجته إليزا، في البناية التي يشغلها الآن صالون سيريندبيتي لتصفيف الشعر.
وعلى الرغم من أن البيت الذي وُلدت فيه يُظهر بداياتها المتواضعة، إلا أن حظوظ العائلة تغيرت عندما كانت إيثل لا تزال طفلة.
وقالت الدكتورة غيل واكلي، التي ترأس جمعية التاريخ في “أبرغافني”: “والدها اخترع مادة “هيجيا روك”، وهي مركب مؤلف من القار والاسمنت”.
منشأ تألقها
أضافت الدكتورة واكلي بأن تلك المادة “كانت أول مادة بناء مقاومة للماء، جاءت في وقتها تماماً لكي تستخدم في بناء شبكة أنفاق لندن، وجعلته رجلاً ثرياً”.
ويعتقد الطالب في جامعة شيفيلد هالام، أليكس سوركو، الذي يعد أطروحة حول إيثل، أن اختراع والدها ربما كان منشأ تألقها.
وخمن سوركو بأنه لو أن ويليام كان رجل بناء عادي لكانت إيثل اضطرت إلى الزواج، لإزالتها ببساطة من جدول نفقات العائلة.
وقال: “نحن نعلم من إحصاء نفوس عام 1911 أنها كانت لا تزال، وهي في سن 35 عاماً، تعيش مع والديها-وبحلول ذلك الوقت كان قد نُشر لها العشرات من القصائد الشعرية والقصص القصيرة في الصحف- أكثر من 100 منها خلال حياتها”.
نُشر أول عمل معروف لها في نسخة من مجلة “هارث أند هوم” في العام 1899- وكان عبارة عن قصيدة بعنوان “خطوط على صدر أوليفر كرومويل”.
وأضاف سوركو أن “البيت الذي بناه ويليام بالاعتماد على اختراعه- فيرلي غرينج في شارع بيلمونت- يظهر كيف تربت في منزل أدبي، ألهمها على كتابة أعمال من قبيل روايتها “البعض عليه أن يراقب” بينما ترعرعت مع صور من روايات وولتر سكوت في غرفة الضيوف، ومع شخصيات أخرى من الأدب في جميع أنحاء المنزل، ومن بينها رواية “أطفال الماء” لتشارلز كنغسلي في إحدى غرف النوم.”
تشير السجلات إلى أنه بحلول العام 1917 كانت إيثل تعمل في لندن بوزارة المعاشات، ويعتقد سوركو أن هذا المكان ربما شهد انطلاق سيرتها المهنية.
وقال سوركو إن “الأمر المذهل بشأن إيثل هو أنها، وعلى الرغم من استمرارها في الكتابة طوال حياتها، لم تحظ بالاعتراف الحقيقي إلا بعد أن أصبحت في الستينات من عمرها”.
وأضاف “ربما احتاجت للانتقال إلى لندن قبل أن يتم تقديمها للأشخاص المناسبين؟”
“نقص الهواء النقي”
من الممكن أن تكون قد تعرضت لضغط من أجل التخلي عن وظيفتها لصالح من يبحثون عن العمل من الجنود العائدين من الحرب العالمية الأولى، فقد استقالت في 1919 مقابل حصولها على دفعة أولى بقيمة 10 جنيهات استرلينية لكتابة قصص قصيرة للصحف.
وعلى أي حال، أبلغت الصحافيين لاحقاً أنها تقدمت باستقالتها لأنها لم تحتمل “نقص الهواء النقي وحياة المكتب”.
بحلول العام 1927، نشرت أول رواية كاملة لها، وبعد ذلك بعام دخلت مسرح “ويست إند” بمسرحية “ميناء الأمس”.
وبحلول العام 1938، وصلت إلى النجومية عندما اختار المخرج ألفريد هيتشكوك أن يحول روايتها البوليسية “العجلة تدور”- التي تدور أحداثها حول امرأة شابة على متن قطار ورفيقها المفقود- إلى فيلم سينمائي حمل عنوان “السيدة تختفي”.
وقال سوركو إن هذا التعاون شهد تقاطع طرق المخرج الشهير مع إيثل.
وقال أيضاً: “أطروحتي لنيل درجة البكالوريوس كانت عن ألفريد هيتشكوك”.
وأضاف “فيلم “السيدة تختفي” كان آخر فيلم بريطاني لهيتشكوك، وأعتقد أن من المنصف القول إنه كان الفيلم الذي جعل استوديوهات هوليوود تقف وتنتبه له”.
وقال: “منذ ذلك الحين أذهلني السبب الذي لم يجعلها معروفة بشكل أفضل”.
اقتبست روايتين أخريين من روايات إيثل إلى أفلام على الشاشة الكبيرة- وهما “بيت منتصف الليل” التي تحولت إلى فيلم “الخفي” ورواية “البعض عليه أن يراقب” التي تحولت إلى فيلم “السُلّم اللولبي”.
لكن، وبينما استمر إرث كتاب آخرين على غرار أغاثا كريستي، فإن صيت إيثل تلاشى في الخلفية.
قال سوركو: “أعتقد أن هناك تفسيراً سهلاً لذلك وهو أن إيثل ببساطة لم تكن مستعدة لخوض لعبة الشهرة التي جعلت من الكتاب الآخرين نجوماً”.
وأضاف “في مقابلة لها مع الناقد بيتر تشيني قالت: أنا لم أولد. لم أتلق تعليماً قط ولا أملك أذواقاً أو هوايات. هذه هي قصتي وأنا ملتزمة بها”.
وقال إن إيثل وُصفت في العديد من المراجعات النقدية بالتناوب بين كونها “شائكة” و “ظريفة” و “ساخرة”.
وبالإضافة إلى كونها من الأشخاص الذين يصعب التعامل معهم، يفترض سوركو أن حقيقة أن أعمالها لم تنشر إلى أن بلغت الستينات من عمرها عملت ضد إرثها ككاتبة.
وقال سوركو إنها “كانت متألقة في زمنها، ولكن عندما تفكر بأمثال أغاثا كريستي التي بدأت قبلها بعقد من الزمن وواصلت عملها حتى السبعينيات من القرن الماضي، فلا يوجد حجم أعمال يكفي لمقارنتهما بشكل منصف”.
غير أنه اختلف بشدة مع زملائه من الأكاديميين مثل مالكوم تيرنبول الذي كتب يقول: “إيثل لينا وايت ليس لديها أي شيء جديد تضيفه إلى نوع الكتابة البوليسية”.
وقال سوركو: “هذا قول مجحف بشكل كبير”.
وأضاف “تبنت أسلوباً جديداً وأضافت الكثير من خيوط الأدب الكلاسيكي إليه- فعلى سبيل المثال تعتبر أول رواية بوليسية لها وهي “اطفئ الأنوار” إحالة مباشرة إلى رواية “عُطيل” لشكسبير”.
تُوفيت إيثل بمرض سرطان المبيض في العام 1944. وأظهرت وصيتها على نحو مثير للفضول ومروع خوفها الذي لازمها طوال حياتها من دفنها وهي حية، وهو ما يمكن قراءته في روايتها “وفاته للمرة الأولى” التي صدرت في العام 1935.
وجاء في وصيتها: “أعطي وأورث آنيس دورا وايت (شقيقتها) كل ما أملك بشرط أن تدفع لجراح مؤهل لكي يغرس سكيناً في قلبي بعد الوفاة”.
تُعتبر رموز الماسح الضوئي جزءاً من مشروع “هيستوري بوينتس” الذي يهدف إلى مساعدة الجمهور على التعلم عن تاريخ الأماكن المحلية باستخدام رموز الماسح الضوئي التي يمكن مسحها ضوئياً على الأجهزة الإلكترونية الذكية.