يستمر الوباء في العادة عامين، كما قال الأطباء عام 2020 مع بداية أزمة كوفيد-19، وظن الناس أن ذلك وقت طويل، إلا أن الأمر الآن يمكن أن يكون أسوأ لأن الفيروس يبدو “شيطانيا وأذكى بكثير مما يعتقد”، بعد أن أحبط كل التوقعات، وأخذ العالم مجددا على حين غرة بمتحوراته الجديدة. فهل من المحتمل أن تعلن منظمة الصحة العالمية يوما ما أن حالة الطوارئ الناجمة عن كوفيد-19 قد انتهت؟
بحثا عن الجواب، طرحت مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية هذا السؤال على العديد من العلماء، وخرجت بعدة فرضيات لمستقبل الوباء، تتدرج من الأكثر تفاؤلا إلى الأكثر قتامة، وذلك عندما تراكمت الأخبار السيئة في الأسابيع الأخيرة، بعد فترة هدوء بين يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين.
وفي مقال طويل بقلم إيلودي لوباج وبيرينيس روكفورت-جيوفاني، أشارت المجلة -قبل تقديم الفرضيات الثلاث التي توصلت إليها- إلى الوضع الراهن، الذي ثبت فيه أن اللقاحات أقل فعالية في الوقاية، حيث لا تحمي -حسب منظمة الصحة العالمية- سوى 40% من متحور دلتا، وتنخفض فعاليتها بمرور الوقت، والآن فإن متحور أوميكرون يخيف العلماء الذين لا يعرفون ما المتحور الذي قد يأتي بعده.
وفي هذا السياق الضبابي، طلبت مجلة لوبس من مجموعة من الخبراء المشاركة في محاولة تحديد فرضيات مختلفة لمستقبل الوباء، فقدموا 3 سيناريوهات متفاوتة من الأكثر تفاؤلا إلا الأسوأ، على النحو التالي.
1. الفيروس يختفي تدريجيا
الفرضية الأولى هي خلع الأقنعة وانتهاء التباعد والحجر، وعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل الوباء. وهي فرضية تبدو بعيدة الاحتمال وأقرب إلى الحلم، وتقوم على أن “وباء كوفيد-19 يجد أمامه سكانا محصنين بما يكفي ليتوقف عن الانتقال ويختنق”، وهذا الاحتمال هو مجرد نسج خيال، حسب تقديرات ديدييه حسين رئيس لجنة طوارئ كوفيد-19 التابعة لمنظمة الصحة العالمية.
ومع تقدم المعرفة بالفيروس المسبب لهذا المرض، يرى مدير الأبحاث في المعهد الوطني الفرنسي للبحث صمويل أليزون أن هذه الفرضية هي الأقل مصداقية لأسباب عدة؛ منها أن الوباء ثبت أنه لا يمكن السيطرة عليه بالتطعيم وحده، بعد أن “كنا متفائلين للغاية بشأن تأثيره”، كما أن هناك احتمالا لإنتاج مزيد من المتحورات في المناطق سيئة التطعيم، إضافة إلى وجود العديد من خزانات الفيروس في الحيوانات.
وبالفعل قضى التطعيم في الماضي على فيروس الجدري، لكنه الفيروس الوحيد في التاريخ الذي تم القضاء عليه، كما يتذكر المحاضر في علم الأوبئة وتطور الأمراض المعدية في جامعة “مونبلييه” ميرسيا سوفونيا؛ وذلك لأن اللقاحات كانت فعالة للغاية ضد الإصابة والانتقال على مدى عدة سنوات، ولأن هذا الفيروس -خلافا لكوفيد-19- ليس له خزان حيواني، وهو نادر التحور.
ولذلك -كما تقول المجلة- لم يعد الأمل في القضاء على الفيروس من خلال إستراتيجية “صفر كوفيد-19” -التي تبناها العديد من البلدان الآسيوية- صالحا. ويقول سوفونيا “حتى لو حبسنا أنفسنا مرة أخرى عدة أشهر، فلن نصل إلى أكثر من مستوى منخفض من انتشار الفيروس، وسيستأنف الوباء بمجرد عودة الحياة الطبيعية.
وترى مديرة قسم التأهب العالمي للمخاطر المعدية في منظمة الصحة العالمية سيلفي بريان أن “الأمل في القضاء على الفيروس يبدو وهميا في هذه المرحلة من الجائحة، لأنه يتطلب إغلاقا شاملا قد يجعل العلاج أسوأ من المرض، ويكلف دفع ثمن باهظ جدا، كما يظهر في نقص التموين العالمي اليوم، ناهيك عن الدمار الذي أصاب الصحة النفسية للسكان.
2. فيروس يشبه الإنفلونزا
تقوم الفرضية الثانية على أن يستمر الفيروس في الانتشار، ولكنه يصبح مثل فيروسات الجهاز التنفسي الأخرى، وباء مستوطنا ومرضا موسميا كالإنفلونزا يعاود الظهور كل شتاء، و”في هذه الحالة -كما يقول ميرسيا صوفونيا- لن يسبب الفيروس العديد من الأشكال الخطيرة؛ لأننا سنكتسب بشكل جماعي مناعة بعد التطعيم أو مناعة ما بعد العدوى، ولأننا سنكون قد تقدمنا في فهمه وفي رعاية المرضى”.
وعند وقوع هذه الفرضية “قد نضطر إلى إعادة ارتداء الأقنعة مرة أخرى كل شتاء -كما ترى سيلفي بريان- وسيتعين علينا تطعيم الأشخاص المعرضين للخطر كل عام، وقلب عاداتنا رأسا على عقب، وتبني تدابير أخرى”.
وترى المجلة أن الفيروس يمكن أن يضعف مع مرور الوقت، حيث يقول رئيس خدمة الوقاية من الإصابة والسيطرة عليها في مستشفيات جامعة جنيف ديدييه بيتي “من المرجح أن يبقى الفيروس على قيد الحياة، وأن يستمر في الانتشار من دون أن يكون قاتلا، والأرجح هو أن ينتشر بديل سريع الانتقال محل دلتا، ولكن من دون أن تكون له خطورة، وسينضم فيروس كوفيد-19 إلى صفوف العائلات الأربع الرئيسية لفيروسات كورونا التي عايشناها منذ مئات السنين، فلدينا جميعا أجسام مضادة لفيروسات كورونا هذه”.
3. الفيروس يتحور ويخرج عن السيطرة
قد تستمر المتحورات في الظهور بسبب انخفاض نسبة الملقحين ضد الوباء، وقد يكون أحد المتحورات أكثر خطورة على جميع السكان أو على مجموعات معينة كالشباب أو الأطفال، ولكن هذه الفرضية -لحسن الحظ- ليست الأكثر احتمالا، ولكن “يمكننا توقع أي شيء”، كما يحذر ميرسيا سوفونيا.
ويقول هذا الخبير إن فكرة أن الفيروس يضعف بمرور الوقت انتشرت أثناء الوباء بين العلماء، ولكنها “خرافة”؛ ففيروس نقص المناعة البشرية -على سبيل المثال- قد ازداد ضراوة، وحتى الآن تحورت المتغيرات السائدة المتعاقبة في الاتجاه الآخر، مما يجعل تحقيق هذا الاعتقاد الحدسي أمرا غير محتمل، كما تؤكد سيلفي بريان أن “كل شيء ممكن مع الفيروس حتى الآن”.
وأشارت المجلة إلى أن هناك كابوسا آخر يخشاه المتخصصون، وهو ظهور متغير يراوغ كل مناعة، سواء كانت ناتجة عن الإصابة أو اللقاحات. ويقول صموئيل أليزون محذرا “في هذه الحالة، يجب أن نبدأ من الصفر”، وسيتعين على المختبرات التي تعمل على المتغيرات الاصطناعية تصميم أمصال جديدة بشكل عاجل، ومن ثم فإن الأمر متروك للحكومات لتنظيم حملات التحصين.
ومما يخشى في هذا السياق، ظهور متغير أكثر إمراضا ويكون مقاوما لجميع أنواع المناعة. ويقول اختصاصي الأمراض المعدية ديدييه بيتي إنه “السيناريو الأسوأ”، خاصة أن هناك جيوبا من السكان غير الملقحين، حيث لم يتلق سوى 11% من الأفارقة جرعة واحدة، مقارنة بـ63% من الأوروبيين.
ومن هنا تأتي الحاجة الملحة -كما تختم المجلة- إلى مواجهة الوباء على نطاق عالمي، عبر تسريع التطعيم في جميع القارات والرعاية المناسبة للأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة ممن يمكن للفيروس التاجي أن يتحور داخلهم، كما هي الحال على الأرجح مع متغير أوميكرون، وبذلك فقط يمكننا تجنب قنبلة موقوتة.