ثيابٌ كثيرة تناقلها الأخوة في صغرهم، وقد تكون وصلت أيضا إلى أولاد وبنات خالاتهم وأعمامهم الأصغر سنا، ومنهم إلى الجيران. وقطع ثياب مخبأة لسنوات في الأدراج حيث لم يعد أحد يستعملها، فتبرّعت بها عائلات لمن يحتاجها.
نشأ كثيرون منّا على هذه العادات- التي أصبحت رائجة في أوروبا وتعرف اليوم باسم “الموضة المستدامة”.
وهناك معانٍ كثيرة للاستدامة، ومصطلحات عدة مشابهة لها كـ”الموضة الأخلاقية”، و”الصديقة للبيئة”، والتي “لا تتسبب بأي هدر Zero Waste”.
ولأن هذا المفهوم أصبح رائجا، بدأت مؤخرا ظاهرة مثيرة للاهتمام تعرف بالإنجليزية بـ” Greenwashing”، وتعني “ادعاء بعض الشركات أن نشاطاتها التجارية صديقة للبيئة واستخدامها حملات ترويجية كاذبة”، كما تقول الشابة الليبيّة، مروة عيسى، التي تدرس تصميم الأزياء في جامعة في مدينة كارديف في مقاطعة ويلز البريطانية.
تعرّفت على مروة من خلال مصممة الأزياء السودانية، يسرا الصادق، التي تقيم أيضا في مدينة كارديف – فزرتهما لأفهم منهما أكثر كيف يمكن أن تكون صناعة الثياب واستهلاكها غير مؤذية للبيئة.
تصميم يسرا هذا صديق للبيئة؛ فهو، كما تشرح، مصنوع من قماش طبيعي هو الحرير الذي تنتجه دودة القز، أي أن القماش لم يتسبب بهدر الماء لإنتاجه. في حين أن الأقمشة الصناعية تتطلب استخدام الكهرباء والماء أثناء مرحلة التصنيع. كما أن قماش الحرير يمكن أن يبقى بجودة عالية لسنوات طويلة.
وتقول يسرا إنها تأكدت أيضا من أن الورشة التي صنّعت هذا الزي دفعت الأجر الكامل للعمال – وهذا الموضوع أساسي جدا ويجعل صناعة الموضة “أكثر أخلاقية” وبعيدة عن استغلال العمال، حسب ما تؤكد.
تشرح يسرا أن تقليل البصمة الكربونية يعني أن يعمل الإنسان قصارى جهده كي لا ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون المضر بالغلاف الجوي. لذا فهي تشتري من المنتجات المتوفرة محليا، وتقلل استخدام سيارتها للتنقل، وتقلل أيضا السفر بالطائرة، كما أنها لا تصنّع ثيابها في دول بعيدة بل تلجأ إلى مصانع محلية.
“أحاول أن أحصل على ما أحتاجه في التصميم من حولي. أحاول أن أقلل بصمتي الكربونية قدر الإمكان”، تقول لي مشيرة إلى أن بعض الشركات ترفض طرح منتجاتها في الأسواق الخارجية كي لا تضطر إلى شحنها جويا؛ وبالتالي يكون كل مستهلكيها محليين.
تقول يسرا إن ذلك يعود إلى أن كثيرا من البحث والتفكير والتعب يدخل في إنتاج “الثياب المستدامة” لضمان عدم وجود هدر في القماش المستعمل، ولكي لا يكون هناك أي شكل من أشكال الاستغلال في أي مرحلة من مراحل الانتاج.
وتضيف: “حسابيا لا يمكن أن يكون المنتج بنفس سعر منتج مصنّع في الصين مثلا، حيث يعمل آلاف العمال بأبخس الأسعار وبوجود آلاف الأجهزة”.
ثقافات قديمة
لا تزال مروة طالبة في سنتها الجامعية الثالثة تدرس تصميم الأزياء. تشرح معنى تقنية “عدم هدر القماش أبدا” الرائجة حاليا في عالم التصميم.
تقول إن هذه التقنية، التي تعتمد على تحقيق نسبة صفر في هدر القماش، تعتبر الآن صيحة في الأزياء لكنها ليست تقنية حديثة؛ بل استحضرت من ثقافات قديمة، كثقافة اليابان الخاصة بتصنيع الكومونو.
ووفقا لدراسات، يهدر حوالي 15-50 في المئة من القماش خلال عملية صنع الملابس. وترسل الشركات هذا الأقمشة الزائدة كنفايات لمكبات الأقمشة. وهذه المكبات عبارة عن مساحات ضخمة جدا وتعتبر مصدرا من أكبر ملوثات البيئة بسبب المواد والصبغات الكيميائية للأقمشة، والتي تتسرب للتربة ولا يمكن معالجتها. وفي حال حرقها تسبب تلوّث الهواء.
توضّح مروة أن الاستدامة عنصر أساسي في أي مشروع تعمل عليه. وتؤكد أنها عملت على مشاريع مع شركات عالميّة تعتمد على الاستدامة وتستخدم مواد قابلة لإعادة التدوير في منتجاتها كما تحاول استخدام الطاقة المتجددة قدر الإمكان.
على سبيل المثال، تذكر أن إحدى الشركات قامت بإعطاء الطلاب أقمشة لافتات استخدمت سابقا في إعلانات تجارية ليقوموا بتصميم أزياء باستخدامها.
تتحدث مروة بحماسة عن مشروع جامعي آخر، حيث أعطت مؤسسة الجلود في بريطانيا، التي تتبنى الاستدامة، الطلاب جلودا من مخلفات مزارع إنتاج حيوانية، بعد معالجة تلك الجلود لتبقى بجودة عالية، وسمحت للطلاب باستخدامها في الدراسة كنوع من التوعية بأهمية استخدام جلود لحيوانات ذبحت من أجل الحصول على لحمها وليس من أجل صناعة الأزياء،
ترى مروة أن الشركات تسعى من خلال تلك الخطوات إلى زرع فكرة الاستدامة في صناعة الأزياء في عقول الطلبة الذين سيكونون مصممي المستقبل، كي يقوموا بدروهم بنشرها، كما تقول.