لو كان رئيس موقع تويتر السابق وأحد مؤسسيه جاك دورسي شخصية في فيلم سينمائي لاعتبره الناس شخصية نمطية ومستهلكة للغاية.

إنه شديد الجدية والمثالية فهو يؤمن بشغف أن التكنولوجيا يجب أن تجلب السلام والازدهار إلى العالم.

إنه هيبي تحرري فريد، وهي فلسفة تبدو محيرة إلى حد ما في بعض الأحيان. لكنه صاحب رؤية تقنية حقيقية.

استقالته الأخيرة من منصب رئيس تويتر هي المرة الثانية التي يغادر فيها هذه المنصة العملاقة للتواصل الاجتماعي التي شارك في تأسيسها. بعد مغادرته المرة الأولى أسس شركة الدفع الإلكتروني سكوير (Square ) في عام 2009 والتي أصبحت ناجحة بشكل كبير. وعاد الى تويتر عام 2015.

حتى أيام قليلة كان دورسي يدير الشركتين وهو وضع لم يكن مرغوباً لدى العديد من المستثمرين.

خلال العام الماضي حاول أحد كبار المستثمرين في تويتر إرغام دورسي على اختيار إدارة إحدى الشركتين وكان المستثمر يفضل أن يكرس وقته وجهوده لإدارة تويتر فقط.

يفسر هذا جزئياً سبب عدم تراجع سعر سهم تويتر عندما استقال رئيسها الشهير فجأة مرة أخرى.

كان الموقف السائد بين المستثمرين لفترة طويلة هو أن تويتر غير حريص على تحقيق أقصى ما يمكن من أرباح وأنه يمكن أن يجني الكثير من الإيرادات من العدد الكبير من مستخدميه الفاعلين.

وبالتأكيد قد يساعد تركيز الرئيس التنفيذي جهوده على تويتر بالكامل في تحقيق هذا الهدف.

بالطبع لا يمكن مقارنة تويتر بفيسبوك أو غوغل.

ويرى البعض أن دورسي يتحمل مسوؤلية توقف نمو تويتر. حافظ دورسي على نقاء تويتر الذي ساعد في تأسيسه ولم يرغب في تحقيق الربح على حساب المستخدم.

لكي نكون منصفين مع دورسي فقد جرب عدة طرق لتوليد المزيد من الإيرادات لتويتر. وقد أعلن عن خطة لجني أرباح من 315 مليون مستخدم بحلول نهاية عام 2023 ومضاعفة الإيرادات في ذلك العام.

لقد كان أداء تويتر جيداً من حيث زيادة عدد المستخدمين أثناء فترة الوباء لكن الهدف الذي وضعه تويتر نصب أعينه طموح للغاية، وهو الهدف الذي يقع تحقيقه على كاهل الرئيس الرئيس الجديد لتويتر باراغ أغراوال.

أغراوال هو من مواليد الهند وارتقى داخل تويتر ووصل إلى منصب مدير التقنية فيها ويتمتع بالكفاءة ويحظى باحترام زملائه في العمل ويوصف بأنه الاختيار الأمين لتويتر وتنتظره مهمة ضخمة.

المهمة الكبيرة الأولى التي تنتظر أغراوال هي زيادة أرباح تويتر. تويتر ليس فيسبوك فهو لا يحتفظ بكمية كبيرة من المعلومات عن مستخدميه وبالتالي فإن البيانات التي يحتفظ بها ليست ذات قيمة للمعلنين.

يمكنك عرض عدد معين فقط من الإعلانات للمستخدمين قبل أن يشرعوا في الابتعاد عن الموقع وإذا كان الهدف هو تحقيق نمو جيد ولكن أيضاً زيادة الإيرادات، فقد يكون التوفيق بين الهدفين مهمة صعبة.

الهوس بالعملات الرقمية

دورسي مهووس بالعملات الرقمية وعلى وجه الخصوص بالبيتكوين.

لقد أنشأ مؤخراً فريق عملات رقمية مهمته البحث عن طرق يمكن لتويتر بواسطتها التعامل بالأصول الرقمية والتطبيقات اللامركزية.

ومن المقرر أن يكون الفريق تحت قيادة أغراوال ربما في إشارة إلى أن العملات الرقمية ستلعب دوراً رئيسياً في رؤية الرئيس التنفيذي الجديد لنمو الشركة.

طرف في الصراع السياسي

تحول تويتر إلى طرف سياسي في الولايات المتحدة وورث أغراوال أيضا مشاكل إدارة منشورات تويتر.

يجادل الديمقراطيون عموما بأن المنصة لم تفعل ما يكفي لحذف الأخبار المزيفة. كما يجادلون بأن أنظمتها ليست جيدة في تحديد وإزالة خطابات الكراهية بسرعة.

بينما يرى الجمهوريون أن المنصة متحيزة ضد المحافظين ويبرزون مثالاً على ذلك قرار حظر الرئيس السابق دونالد ترامب بعد أعمال الشغب في الكابيتول هيل اوائل العام الجاري.

لقد انتقل أغراوال من شخص غامض نسبياً إلى شخصية عامة رئيسية بين عشية وضحاها ولا شك أنه سيتم استدعاؤه من قبل الكونغرس عاجلاً أم آجلاً.

ويقدم المحافظون مثالا على ميول الرئيس الجديد لتويتر اليسارية بتغريدة نشرها في 2010 تضمت اقتباساً من برنامج ديلي شو الأمريكي الساخر.

وتضمنت رسالة الوداع الإلكترونية لدورسي انتقادات شديدة للمؤسسين الذين يظلون لفترة طويلة في دفة قيادة الشركات التي أسسوها.

وكتب: “هناك الكثير من الحديث عن أهمية أن تقود الشركة التي تقوم بتأسيسها. في النهاية أعتقد أن هذا يقيد الشركة بشدة ونقطة فشل”.

ويبدو أن كلام دورسي موجه لمؤسس فيسبوك مارك زاكربيرغ وسيوافق عليه رئيس تيسلا إيلون ماسك الذي أعلن مراراً أنه لا يحب أن يكون رئيس تيسلا.

لهذه المشاعر مدى أبعد بكثير، فقد تم استبدال جميع مبتكري التكنولوجيا غريبي الأطوار الذين أنشأوا شركات ناجحة جداً مثل بيل غيتس وجيف بيزوس وسيرغي برين ولاري بيج وستيف جوبز والآن جاك دورسي بـ “خيارات آمنة”، برؤساء تنفيذيين لا يشبهون أسلافهم.

وربما يحتاج تويتر لذلك أيضاً.

أما بالنسبة لدورسي فهو لا يزال شابا ( 45 عاماً). في المرة الأخيرة التي قضى فيها بعض الوقت بعيدا عن تويتر انشأ شركة الدفع الإلكتروني سكوير التي تبلغ قيمتها حالياً 100 مليار دولار.

يمكن أن يكون دورسي شخصية ساخرة أحيانا لكنه حقق ما يضمن له الحق في أخذه على محمل الجد.