سيكون عام 2022 على الأرجح عاما صعبا على الصعيد الاقتصادي، إذ ستُحشر البلدان بين قوتي ضغط هائلتين هما سياسة نقدية أميركية أكثر تشددا وتباطؤ للنمو في الصين، ينضاف إلى ذلك متحور فيروس كورونا الجديد “أوميكرون” الذي قد يؤدي -حتى لو ثبت أنه يمكن إدارته- إلى انتكاسة التعافي الاقتصادي في أنحاء العالم.
وقالت مجلة “إيكونوميست” (The Economist) البريطانية، في تقرير لها، إن كلا من الولايات المتحدة والصين تتربعان على عرش الاقتصاد العالمي وتمثلان معا 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بسعر صرف السوق، لكن هذين العملاقين يميلان إلى التأثير في الاقتصادات الأخرى بطرق مختلفة.
السلاسة المتحورة
تسببت المخاوف المتعلقة بالسلالة الجديدة المتحورة من فيروس كورونا “أوميكرون” في انخفاض أسعار النفط، وفي تراجع حاد في أسواق الأسهم العالمية.
وصنّفت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة الماضي السلالة المتحورة الجديدة بأنها “مقلقة”، وهي خامس سلالة توضع في هذا التصنيف.
وانهارت أسعار النفط العالمية بأكثر من 10% يوم الجمعة بعد أن أثارت السلالة الجديدة لفيروس كورونا المخاوف من أن تجدد فرض إغلاقات عامة سيهدد تعافيا عالميا للطلب، ويعزز المخاوف من تضخم فائض المعروض العالمي في الربع الأول من العام المقبل.
السياسة النقدية الأميركية
يعدّ النمو الاقتصادي القوي في أميركا لدى العديد من البلدان الناشئة سيفا ذا حدّين، وغالبا ما يطغى التأثير التوسعي لإنفاق الأسر الأميركية على تأثير سياستها النقدية نظرا إلى الدور الحاسم للدولار وسندات الخزانة في النظام المالي العالمي، كما ترتبط السياسة النقدية الأميركية الأكثر تشددا في معظم الأحيان بانخفاض شهية المخاطرة عالميا، وتميل تدفقات رأس المال نحو الأسواق الناشئة إلى الانحسار، ويقلل الدولار القوي التدفقات التجارية بسبب دوره في إصدار الفواتير.
في المقابل، يعدّ تأثير الصين في الاقتصاد العالمي أكثر وضوحا، فبكين تصنّف -بهامش كبير- المستهلك الأول عالميا للألمنيوم والفحم والقطن وفول الصويا ومواد أخرى والمستورد الرئيسي لسلع عديدة، لذلك فعندما تتعثر يشعر المصدّرون في أنحاء العالم بالألم.
وترى المجلة أن العام المقبل لن يكون المرة الأولى التي تضطر فيها اقتصادات العالم إلى الإبحار في مياه غادرة كهذه، ففي منتصف عام 2010 تعرضت الأسواق الناشئة الضعيفة للضغط بسبب ارتفاع الدولار حين سحب الاحتياطي الفدرالي الدعم النقدي المقدم خلال الأزمة المالية العالمية، في حين أدت جولة سيئة من تحرير الأسواق المالية وتشديد الائتمان إلى حدوث ركود في الصين، لذلك تراجع النمو في هذه الأسواق، باستثناء الصين، من 5.3% عام 2011 إلى 3.2% في عام 2015.
ولكن هذه المرة -تضيف المجلة- قد يكون الضغط أكثر إيلاما. ففي العقد الأول من القرن الـ21 أجبر الانتعاش الضعيف والتضخم المنخفض بنك الاحتياطي الفدرالي على التراجع، ومرّ أكثر من عامين ونصف العام بين إعلان الاحتياطي الفدرالي عن نيته تخفيض مشترياته من الأصول وأول ارتفاع في معدل سياسته.
هذه المرة على النقيض من ذلك تماما، من المرجح أن تتضمن الأشهر الـ12 التالية لإعلان البنك خطته للبدء في تغيير سياساته تدريجيا وقفا تاما لشراء السندات وزيادتين على الأقل في أسعار الفائدة وفق تسعير السوق.
وبالفعل قال رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول أمس الثلاثاء إنه سيكون من المناسب أن ينظر البنك المركزي الأميركي في تسريع إنهاء برنامجه الضخم لمشتريات السندات بالنظر إلى قوة الاقتصاد ومعدل التضخم المرتفع.
وبدأ مجلس الاحتياطي الاتحادي تقليص برنامجه لشراء السندات في وقت سابق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، وأعلن عن جدول زمني لتخفيضه بحيث ينتهي في حدود منتصف العام القادم، لكن محللين كثيرين يتوقعون أن يعيد النظر في ذلك الإطار الزمني في اجتماعه الشهر القادم، وفق ما نقلت رويترز.
تباطؤ النمو الصيني
أما الصين فهي معرضة بدروها -على ما يبدو- لخطر الهبوط الشديد حاليا أكثر مما كان عليه الحال قبل نصف عقد، حين استجابت الحكومة الصينية آنذاك لتباطؤ النمو بفتح صنابير الائتمان مما ساعد على إعادة تضخيم فقاعة الإسكان، ومنذ ذلك الحين أصبحت سوق العقارات واسعة أكثر من اللازم وارتفعت أعباء ديون الأسر والشركات.
ويوجه المسؤولون الاقتصاديون الآن تحذيرات منتظمة تنذر بالسوء بشأن التعديل المقبل على الرغم من أن صندوق النقد الدولي لا يزال يتوقع أن تنمو الصين بنسبة 5.6% العام المقبل، وهو أدنى معدل نمو تحققه بكين -باستثناء عام 2020- منذ 1990.