مؤبد بقساوة الحروف، واختزال اللغات: ميم المسافة، واو الوقوف، باء البداية، دال الدهر، حكم بالموت قبل الموت”. هذا جزء من قصيدة شعرية كتبها -مع عشرات القصائد أخرى- الأسير الفلسطيني ناصر أبو سرور الذي أمضى 29 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
أطلق أبو سرور (52 عاما) -وهو لاجئ فلسطيني من بلدة “بيت نتّيف” التي هجّر منها إلى مخيم عايدة للاجئين شمال بيت لحم- ديوانا شعريا بعنوان “عن السجن وأشياء أخرى” من 25 قصيدة شعرية تتوزع على 170 صفحة.
واتهم أبو سرور عندما اعتقل عام 1993 بقتل ضابط مخابرات إسرائيلي، ولم يكن متزوجا وقتها، أي أنه أعزب حتى الآن، كما أنه حصل على شهادة البكالوريوس من الجامعة العبرية، وشهادة الماجستير من جامعة القدس، في تخصص العلوم السياسية وهو داخل السجن.
ألم السجون
وكانت قصائده الشعرية في الديوان الشعري نثرية كما وصفها الدكتور خليل عيسى أستاذ اللغويات المساعد في جامعة بيت لحم، وكأنها كتبت بعبارات مجبولة بألم السجون والزنزانات، وفيها تُشم رائحة الحديد وقوة في التعبير عن القضايا التي طرحها الأسير أبو سرور.
وتنوعت قصائد الديوان بين السجون والزنزانات، وتحدث عن الشهداء في الثلاجات، وعن اعتصامات الناس خارج السجن للتفاعل مع قضاياهم.
ويرى الدكتور عيسى -في حديثه للجزيرة نت- أن ديوان الأسير أبو سرور نابع عن معارف متعددة، وقراءته من نوع السهل الممتنع، وبشكل متدفق، ويعبر عن شخصية بتجربة قوية متمكنة، وفيها “تناصات” كثيرة، في إشارة إلى أنه مطلع وقارئ وينقل الأحداث بلغة متمكنة وتصوير دقيق.
أشياء أخرى
وقصد أبو سرور بعنوانه “أشياء أخرى” -وفق الدكتور عيسى- أنه كتب في شعره الأمور الحياتية والاجتماعية الأخرى التي يعيشها شعبه الفلسطيني، وحكى عن الحب والعشق، كحالة شخصية وكذلك كحالة عامة، وعن قتل النساء على خلفية جرائم الشرف، وغيرها من الأمور التي تشعر القارئ بأنه لم يكن منقطعا عن الخارج يوما.
وتشعر من خلال قراءتك للقصائد المختلفة -وفق عيسى- أن الأسير أبو سرور ما يزال يحافظ على نَفَس قوي، وكأنه حر، وكأن جسده هو الأسير فقط، أما معنوياته فمرتفعة جدا، وكأنه يعيش رحلة ألم، ينتظر أن تنتهي، وهو متمسك بأمل انتهاء هذه الرحلة.
وترى في شعر أبو سرور -وفق عيسى- وصفا دقيقا لتفاصيل السجن، وكأنه يصورها بعدسة كاميرا، كما يقول في أبيات أخرى:
تسمع أنين الألم، وصراخ التعذيب، وشخير الأرواحِ
تَشمُّ رائحة القيود والسلاسل والحديد
تَحسُّ بقسوة المكان، والسجّان، والباب الأزرق الثقيل
تشعر بالجوع، والعطش، ونقص الفيتامين
لا تعرف النوم ولا القيلولة إلا بتوقيت السجّان
مفكر مبدع
يقول عيسى قراقع -الرئيس السابق لهيئة شؤون الأسرى والمحررين- إن ما قرأه في ديوان أبو سرور فاجأه بكم القدرات الفكرية والأدبية التي يمتلكها، وكأنك أمام كاتب ومفكر ومبدع يمتلك اللغة والوعي التامّين، ويكتب بمسؤولية عالية.
يرى قراقع في حديثه للجزيرة نت أن الأسيرين وليد أبو دقة وناصر أبو سرور يتصدران الإبداع الفكري والأدبي والبلاغة، ويتميزان بكتاباتهم في أدب المعتقلات والإنتاج الفكري داخل السجون.
وتشعر عندما تقرأ لـ”أبو سرور” -وفق قراقع- بأن جدران السجن لم تنزع حسه الإنساني، ولم يترك سجنه طوال هذه السنوات أثرا على روحه، وما يزال يتدفق فكرا ولم تهزم روحه الداخلية.
وكشف قراقع أن الأسير أبو سرور يجهز مشروع رواية بعنوان “حكاية جدار”، وهي مسودة قيد الطباعة في بيروت، يحكي فيها تجربة سجنه منذ لحظة اعتقاله، وواقع السجن ومشاعر الأسير ويعالج القضايا التي تحدث داخل السجن.
وتحوي الرواية المقبلة وكذلك الديوان الشعري -كما قال قراقع- ما يشعر به الإنسان المقهور المحشور خلف الجدران، وكأنه يقول إنه لن يصبح جزءا من هذه الجدران رغم طول سنوات الأسر، وإنما ما زال يحيى مع الناس وكأنه ليس سجينا، يعيش حالات الندية والحب والمشاعر والذكريات.