فرض اكتشاف متحور جديد لفيروس كورونا في جنوب أفريقيا، معروف حاليا باسم “أوميكرون” (Omicron)، على العالم واقعا جديدا بعد أن ساد الاعتقاد بقطع خطوات مهمة في محاربة الوباء. وعادت الدول لإغلاق أجوائها، مع إعلان عدد من الحكومات تجديد إجراءات التباعد الاجتماعي والتلويح بالعودة للإغلاق.
ومثل كرة متدحرجة، تتزايد المخاوف من المتحور الجديد لفيروس كورونا بسبب الغموض الذي يسود الصفوف العلمية، التي تسابق الزمن للتعرف على الجديد الذي يحمله هذا الفيروس، ومدى فعالية اللقاح في التعامل معه.
الجزيرة نت طرحت أكثر الأسئلة الرائجة حول متحور أوميكرون على خبيرين يشتغلان في مختبرات أوروبية تعمل حاليا على تتبع هذا المتحور، وهما الدكتورة ميس عبسي الاختصاصية في رصد الفيروسات في مختبر الجامعة الملكية البريطانية، والخبير في تكنولوجيا صناعة الأدوية في جامعة فيينا الدكتور ياسر صابر.
ماذا نعرف عن هذا المتحور؟
حسب الدكتورة ميس عبسي، فإن هذا المتحور يضم متغيرات من متحور “دلتا” (Delta) الأكثر انتشارا، إضافة لمتحورات “بيتا” (Beta) و”ألفا” (Alpha) و”غاما” (Gamma)، مما أدى إلى تجمع 50 متغيرا، منها 30 متغيرا على البروتين الشوكي، مقارنة مع كل المتحورات السابقة. وهو ما يفتح الباب أمام احتمال أننا أمام فيروس جديد.
لماذا كل هذا القلق من هذا المتحور؟
تقول الدكتورة عبسي إن سبب القلق هو أن المختبرات وجدت نفسها أمام متحور جديد، ويجب دراسة سرعة انتشار الفيروس المتطور، ومدى مقاومته للقاحات، وأيضا الأعراض التي يتسبب فيها. وهو ما تعكف عليه المختبرات حاليا.
متى يمكن أن نعرف كل شيء عن هذا المتحور؟
حسب الخبير في تكنولوجيا صناعة الأدوية ياسر صابر، فالأمر يحتاج لبضعة أيام حتى تصل المختبرات إلى خلاصات نهائية حول سلوك هذا الفيروس، ولا سيما مقاومته للقاحات.
وحاليا، يقول صابر، تقوم المختبرات بسحب الأجسام المضادة من الأشخاص الملقحين، وتعرضها على الفيروس لترصد تأثيرها. “لكن هذا غير كافٍ لأننا نحتاج لأيام لنعرف ما هي أعراضه، لأن متحور دلتا كان سريع الانتشار، إلا أن أعراضه كانت شبيهة بالإنفلونزا، أما متحور بيتا فقد كانت أعراضه شديدة إلا أنه لم ينتشر بشكل كبير”.
هل المؤشرات الأولية تدعو للتفاؤل؟
بتفاؤل حذر، تجيب ميس عبسي على هذا السؤال لتقول إن الأرقام القادمة من جنوب أفريقيا تقول إن 65% من المصابين هم أشخاص غير ملقحين، وكلهم لديهم أعراض متوسطة، وأكثر من 30% تلقوا جرعة واحدة من اللقاح، ولم تظهر عليهم أعراض خطيرة.
أما المؤشر الآخر فهو الحالات التي تم اكتشافها في هولندا، إذ إنها احتاجت لعشرة أيام قبل أن تظهر عليها الأعراض، وهذا مؤشر إيجابي مقارنة بمتحور دلتا، الذي كانت أعراضه تظهر بعد 3 أيام فقط.
لماذا سارعت دول العالم لإغلاق أجوائها؟
حسب الدكتور ياسر صابر، كل ما تقوم به الدول حاليا هو من أجل كسب بعض الوقت إلى حين التعرف على هذا المتحور، لكن الأكيد أنه انتشر وسينشر عبر العالم.
هل سيعود العالم للإغلاق من جديد؟
يتفق صابر وعبسي على أن الإغلاق وحده لن يكفي، فالدرس المستفاد من ظهور هذا المتحور هو ضرورة عدم احتكار الدول الغنية للقاحات، وأن الحل هو توزيع اللقاحات على الدول الفقيرة.
ففي وقت تعرف فيه الدول الغنية تخمة في اللقاحات المتوفرة، ما زالت نسبة التلقيح في أفريقيا لم تتجاوز 10%، إضافة لتوفير أجهزة الفحص السريع التي تظهر نتائجها في غضون دقائق وليس ساعات للتمكن من محاصرة بؤر الوباء بسرعة.
لماذا ظهر في جنوب أفريقيا؟
يقول الدكتور ياسر صابر إنه يجب شكر علماء جنوب أفريقيا على اكتشافهم لهذا المتحور بشكل مبكر، لأنه منتشر في دول أخرى ولم تكتشفه، ولكن الذي حدث هو العكس، حيث يوجّه اللوم والاتهام لجنوب أفريقيا بأنها هي السبب في انتشاره، وهذا قد لا يشجع في المستقبل دولا على الإعلان عن اكتشاف متحورات جديدة للفيروس.
ماذا عن اللقاحات؟
كشفت الدكتورة ميس عبسي أن شركات “فايزر” (pfizer) و”بيونتك” (BioNTech) و”مودرنا” (Moderna) تشتغل حاليا على اختبار لقاحاتها في التعامل مع هذا المتحور الجديد، وسنعرف النتائج خلال الأيام القليلة المقبلة. لكن ما يثير القلق هو أن أغلب المتغيرات التي يحملها هذا المتحور طرأت في البروتين الشوكي الذي يستهدفه اللقاح، وبالتالي قد نحتاج لتعديل اللقاحات من جديد.
هل يمكن تصنيع لقاحات للمتحور الجديد؟
يرجح الدكتور ياسر صابر أن تكون شركات تصنيع اللقاحات قادرة على توفير لقاح يواجه المتحور الجديد في فترة بين 6 أسابيع و3 أشهر، إذا ظهر أن أوميكرون يقاوم اللقاحات المتوفرة حاليا.
ويفسّر خبير صناعة الأدوية ذلك بالتقنية المعتمدة في الكثير من اللقاحات، وخصوصا لقاح فايزر ومودرنا، والتي تعتمد على تقنية “الحمض النووي الريبي المرسال” أو ما يعرف بـ”إم آر إن إيه” (mRNA)، التي تساعد في تغيير تركيبة اللقاح بسهولة بسرعة.
لكنه شدد في الوقت ذاته على أن سرعة إنتاج لقاح جديد ستكون مرتبطة بمدى قدرة الدول على تمويل تصنيع اللقاحات من جديد، بعد أن استثمرت مبالغ طائلة للحصول على مخزون إستراتيجي من اللقاحات المتوفرة.