قبيل إتمامه 40 عاما، وجد الأميركي مارتن ماركويتز نفسه مسؤولا عن شركة والديه اللذين رحلا مؤخرا، وتركا له أموالا وأملاكا تقدر بالملايين، لكنه لم يستطع إدارتها بسبب ضعف شخصيته؛ فأصبح فريسة للاستغلال ممن حوله، وحين لجأ لطبيب نفسي لمساعدته، أصبح طبيبه هو المستغل الأكبر له، وتمكن من خداعه 29 عاما.
إنها قصة غريبة بشكل لا يمكن تصوره، ولكنها حدثت بالفعل، وتعرضها منصة “آبل تي في بلس” (+Apple TV) في مسلسل جديد من 8 حلقات بعنوان “الطبيب النفسي المجاور” (The Shrink Next Door)، عن مارتن (ويل فيريل) ومعالجه إسحاق هيرشكوف (بول رود)، الذي حطم جميع الحدود بين الطبيب والمريض، وبدل مساعدة مارتن للإمساك بزمام الأمور في حياته، استغل ضعفه للسيطرة عليه واستغلاله.
إذا كنت ترغب في مشاهدة المسلسل من دون معرفة أي شيء عن قصة مارتن، عليك توخي الحذر مما ستقرأه، فقد يعرض بعض تفاصيل العمل الفني.
“سأهتم بكل شيء”
في عام 1981، اقترحت أخت مارتن عليه أن يذهب لطبيب نفسي، وبدا في بداية الأمر أن إسحاق يحاول جاهدا مساعدة مارتن، الذي كان يعاني من نوبات هلع شديدة، بجانب حزنه على فراق والديه، ومشاكل أخرى تتعلق بإدارة شركة عائلته، وفشل علاقاته الاجتماعية، وفي ظل غرقه في الشعور بالضياع وضعف قدراته الاجتماعية، قال له إسحاق “لا تقلق، سأهتم أنا بكل شيء”.
وبفضل تشجيع إسحاق لمارتن وتلقينه عبارات للرد على من حوله، بدأ مارتن الشعور بأنه يملك بعض السيطرة على حياته، وأن العلاج له تأثير كبير، وبدأ من دون أن يشعر الاعتماد بشكل كبير على طبيبه بوصفه المنقذ له، خاصة بعدما قال له إسحاق “لن أسمح لأي شخص باستغلالك، سأساعدك وسيكون كل شيء على ما يرام”؛ مما أشعره بارتياح كبير، فلم يكن يعلم بعد ما ينتظره.
ولم يكن إسحاق يعلم مدى ثراء مارتن في البداية، ولكن بمجرد علمه أسرع في وضع نفسه في مناصب يمكنه من خلالها اتخاذ قرارات لها تأثيرات فعلية على مارتن وعائلته، وتمكن من إبعاده عن أخته الوحيدة فيليس، ودفعه بعيدا عن تكوين علاقات رومانسية.
ووصل الأمر إلى السيطرة على موارده المالية، والانتقال للعيش في منزله الصيفي في بلدة هامبتون الأميركية، والتظاهر بامتلاكه له، فأصبح “يهتم بكل شيء” كما وعده، ولكن باستغلاله بشكل لا يصدق، فلا يحترم كونه معالجا، ولا حتى بوصفه إنسانا.
وبجانب استخدام مارتن لتحقيق أحلامه المستقبلية، يعرض المسلسل كيف استغل المعالج أموال مريضه لجبر الكسر الذي شعر به كطفل أيضا، فكان يعاني من تربيته في أسرة فقيرة، فقام بتعويض نفسه عن ذلك من خلال عيش حياة ثرية بنفقات من مارتن، ويتظاهر فيها بأنه صاحب الأموال، ويحاول من خلال هذه الأموال أن يكوّن علاقات مع أثرياء، خاصة المشاهير، ويظهر ولعه الشديد بهم وبتجميع صوره معهم.
29 عاما من الاستغلال
استمرت علاقة مارتن وإسحاق 29 عاما، ويحكي مارتن بنفسه تفاصيل ما عاشه في بودكاست من 12 حلقة أنتجتها منصة “وندري” (Wondery) الصوتية و”بلومبيرغ” (Bloomberg) عام 2019، ومن تقديم الصحفي جو نوسيرا، الذي شهد بنفسه جزءا مما فعله إسحاق، حين كان يسكن بجانبه في هامبتون.
وفي مقابلة مع جريدة “فورورد” (Forward)، قال مارتن “لم يسمح لي إسحاق بالحصول على صديقة، وعندما أذهب في موعد غرامي كان يدعي أن الفتيات يطمعن في أموالي، ويحذرني قائلا “إن الجميع يحاول استغلالك، وأنا سأحميك”.
وأضاف أنه على مدار سنوات، أصبح إسحاق صديقه الوحيد، حتى عام 2010 عندما خضع مارتن لعملية جراحية، ولاحظ أن إسحاق لم يسأل عنه على الإطلاق، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت مارتن يعيد حساباته، وقال “كل ما شعرت به من إحباطات وخذلان وغضب خرج مني وقتها”.
ولم يخسر مارتن فقط سنوات حياته بسبب هذا الأذى، بل أيضا وجد صعوبة كبيرة في إعادة بناء حياته في السنوات التي تلت انتهاء علاقتهما، لكن النهاية تحمل كثيرا من المفاجآت.
وقد تتساءل: “لماذا سمح مارتن لكل هذا أن يحدث؟!” وهو بالضبط ما سأله نوسيرا عنه، وكانت إجابة مارتن “شعرت بأنه ليس لدي خيار آخر”، وأرجع ذلك إلى أنه كان يعاني من هشاشة نفسية، وضعف حالته العقلية لدرجة أنه لم يقدر على مقاومة سيطرة إسحاق عليه.
لكن مارتن لم يكن الضحية الوحيدة لإسحاق، إذ أخبر مرضى سابقون آخرون نوسيرا أن المعالج إسحاق استولى على حياتهم بالمثل، وأقنعهم بإعادة كتابة وصاياهم لصالحه.