الملحمة الجديدة للروائي البريطاني كين فوليت هي دراما مليئة بالإثارة تغطي الكرة الأرضية وتدور أحداثها في يومنا هذا؛ ففي عالم خيالي يشبه عالمنا بقسوة، ويبدو فيه توازن القوة بين القوى الاقتصادية أكثر واقعية من الحياة، يواجه كاتب القصة التاريخية “أعمدة الأرض” الحاضر لينبهنا إلى المستقبل، ملحا على ضرورة طرح سؤال: هل ستندلع الحرب العالمية الثالثة؟

“كل كارثة تبدأ بمشكلة صغيرة لا يتم حلها”. هكذا تقول رئيسة الولايات المتحدة بولين جرين في دراما فوليت عن التوتر الدولي.

 

وفي مشاهد عديدة من الرواية، تنتقل الأحداث بين واحة آخذة في الانكماش في الصحراء الكبرى، وطائرة مسيّرة مسروقة تابعة للجيش الأميركي، وجزيرة يابانية غير مأهولة، والمخبأ السري لسموم كيميائية مميتة؛ كل هذه المشاهد تلعب أدوارًا في أزمة متصاعدة بلا هوادة، بينما تكافح ضابطة استخبارات شابة لمنع اندلاع الحرب العالمية الجديدة، إلى جانب جاسوس يعمل متخفيا مع جهاديين مفترضين، وبولين تجد نفسها محاصرة من قبل منافس شعبوي لانتخابات الرئيس المقبل.

ولا تعد فكرة حرب عالمية تنشأ فجأة جديدة؛ ففي الخمسينيات من القرن الماضي تناولت العديد من الروايات انزلاق العالم لحرب جديدة تنشأ بالصدفة، ومع ذلك فرواية فوليت تتناول الوضع الجغرافي السياسي الجديد واستفاد كاتبها من العديد من التحليلات المعاصرة لبناء حبكة الرواية.

“أبدا”

وتقول مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية إن الكاتب في هذه الرواية الجديدة “أبدا” -خلاف رواياته التاريخية: الموهوبين والدوامات وأعمدة الأرض- لا يكتب عن الماضي، ولكن عن الحاضر البديل مع الواقعية المربكة، مثل نبي العصور التوراتية الذي تنبأ بما سيحدث إذا لم تتغير الأشياء، وهو يروي ما يمكن أن يحدث إذا ظل العالم محجما عن طرح هذا السؤال: هل ستندلع الحرب العالمية الثالثة؟

ويقول الكاتب الويلزي (نسبة لويلز غرب بريطانيا التي يتكلم بعض أهلها لغتهم الخاصة) إنه “يجب أن ننشر هذا الكتاب بسرعة، لا بد أن يظهر قبل أن تحدث الأشياء”. وهو يعني بالأشياء صدمة سياسية عالمية، عندما “يمكن أن تكون شرارة بسيطة قادرة على أن تطلق الصاعقة”، حسب عرض جولي مالور للمجلة الفرنسية.

حوض بحيرة تشاد

تبدأ القصة في حوض بحيرة تشاد، تلك المنطقة “الخطيرة” التي يعبر الكاتب عن سروره بعدم زيارتها لأن الوباء منعه من الذهاب إلى هناك، ولكنه استعرضها على خرائط “غوغل إيرث” وتتبع خطوطها العريضة، بعد أن شاهد تقريرا مصورا نُشر في مجلة “باري ماتش” قبل عام أو عامين، “فهي بحيرة كئيبة، تقلصت مساحتها من 10 آلاف إلى 500 متر مربع”، وهو ما يرى فيه الكاتب “انكماشا لا يصدق”، وتعبيرا عن كارثة بيئية ذات عواقب إنسانية مأساوية.

بعد ذلك -كما تقول المجلة- يضعنا الكتاب في مدخل آخر للرواية، على خطى بولين غرين الأقرب إلى الرئيس الأميركي جو بايدن منها إلى سلفه دونالد ترامب، إنها امرأة قوية خاضعة -بسبب مسؤوليتها تجاه الدولة- لضغوط شعبوية ولدورها كأم وزوجة.

وتعيش أميركا -في الرواية- أجواء مواجهة مع الصين وكوريا والشرق الأوسط؛ عش الجهاديين ومركز التهريب العالمي، حسب الصورة النمطية الاستشراقية التي لا تتجنبها الرواية.

الكاتب والبارونة

اكتشف فوليت -حسب المجلة- “معلومات مهمة عن حالة العالم في أحد أندية لندن”، حيث استمع إلى البارونة آن إليزابيث أولدفيلد بتلر سلوس، وهي قاضية سابقة مسؤولة عن قانون العبودية الحديثة الجديد في مجلس اللوردات، وهي مكلفة كذلك بالإشراف على التحقيقات في وفاة الأميرة ديانا ودودي الفايد في باريس، فقد كشفت له ما وفر له مادة أكثر 3 كتب عن عالم الأعمال والجريمة ربحا على هذا الكوكب، مثل الاتجار بالبشر والمال والمخدرات والسلاح.

 

ووجد الروائي في منطقة الساحل التي يهيمن عليها الجهاديون -وفقا لمعلومات قدمها له صديقه كيم داروتش، المستشار الأمني ​​في عهد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير- حافلات المهاجرين التي تغادر في وقت محدد كل أسبوع في الصحراء الكبرى نحو الشمال، حيث الجهاديون يمثلون “بارونات” التجارة الإجرامية الجدد في هذه المنطقة، ليطلق الكاتب بعد ذلك العنان لخياله الجامح، متحررا من المرويات الواقعية.

ونبهت المجلة إلى أن فوليت -الذي بيعت أكثر من 160 مليون نسخة من رواياته عالميا- كان اكتشف التأثير الكبير للتاريخ (على الأدب) من خلال ثلاثية “سقوط العمالقة”، خاصة المجلد الأول عن الحرب العالمية الأولى، حيث يقول “من خلال دراسة أحداث عام 1914 كنت أرى أنه لا أحد يريد هذه الحرب. القادة السياسيون اتخذوا قرارات معقولة، أعني قرارات معتدلة وليست غير عقلانية على الإطلاق. لم يكن أحد غاضبا، لكن النتيجة كانت كما نعرفها”.

معادل سراييفو

ولكتابة هذا الكتاب -حسب المجلة- بحث عما يعادل الهجوم على سراييفو اليوم قائلا “هناك أماكن كثيرة يمكن أن ينطلق منها الحدث، كلبنان وإيران مع مضيق هرمز الذي يجب أن تعبره الناقلات، وكالحدود بين الهند والصين أو ربما كشمير”، لكن بحيرة تشاد كانت الأوضح لأنها تساعد على ربط الأزمات المناخية والأزمة الإنسانية.

كما أن الحديث عن هجرة السكان وتتبع هذا “الطريق” الذي يقود المهاجرين إلى المملكة المتحدة هو أيضا “لتقريب المسافة بين مشكلة بعيدة وأفعالنا هنا، على أساس يومي”، كما يقول فوليت.

وخلصت المجلة إلى أن الفكرة من وراء هذا العمل المتقن –حسب الكاتب- هي إيقاف تقدم هذه الآلية الجهنمية التي لها تأثير الفراشة (استعارة تشير إلى ما يمكن أن يسببه حدث بسيط بعيد، كما يشار إلى ذلك بالقول إن “خفق جناح فراشة بالبرازيل يمكن أن يحدث عاصفة في تكساس”) حتى لا تكون الكارثة الآن.