تعدّ قلعة باشطابيا -الواقعة في الجانب الأيمن من مدينة الموصل في محافظة نينوى شمال العراق على ضفة نهر دجلة الأيسر- من المعالم الأثرية الأصيلة التي تمثل هوية المدينة وما تزال شاهدة على الكثير من الأحداث التاريخية.
يرجع تسمية باشطابيا إلى اللغة التركية -وفق المصادر التاريخية- وتتألف من مفردتي “باش” (رئيسي) و”طابيا” (برج) وتعني البرج أو القلعة الرئيسية، وسميت بهذا الاسم لأنها تقع في أعلى نقطة في الموصل القديمة (الجانب الأيمن) على ارتفاع 75 قدما من مستوى سطح البحر من جهة اليابسة و150 قدما من جهة نهر دجلة.
وقد أنشأ الخليفة الأموي مروان بن محمد القلعة بين عامي 126 و128هـ، وبنى الحمدانيون سور الموصل عام 180هـ، ثم تعرضت القلعة للهدم على يد أبي الحارث أرسلان بن عبد الله المظفر البساسيري (المملوك التركي لأمير البويهيين في العراق بهاء الدولة البويهي) عام 450هـ، وأعاد أمير حلب والموصل شرف الدولة العقيلي إعمارها عام 474هـ.
وكانت القلعة الحصن الشرقي للدولة الأتابكية، وقد هدمت في حملة قائد المغول هولاكو عام 660هـ وفي حملة تيمورلنك عام 726هـ، وأُعيد إعمارها في عهد الوالي بكر باشا إسماعيل الموصلي مع سور الموصل عام 1625م، وأضاف لها برجا عاليا وتم ترميمها وإعمارها في عهد والي الموصل حسين باشا الجليلي 1743م.
حصار الموصل
ومن الشواهد الحاضرة في أذهان سكان نينوى أن القلعة لعبت دورا مهما في التصدي لحصار “نادر شاه” للموصل عام 1743م، وكانت مركزا لقيادة المعركة من جانب أهل الموصل بقيادة حسين باشا الجليلي بعد أن حاصر القائد الفارسي نادر شاه الموصل بأكثر من 300 ألف مقاتل.
وأحاط نادر شاه بقلعة الموصل وسلّط ما يقارب 200 مدفع على المدينة ظلت تقصفها ليلا ونهارا، لتتّحول بذلك إلى حصن منيع، وهذا ما أفشل محاولات نادر شاه في احتلالها، وقد تم رفع الحصار عن المدينة في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1743م بعد توقيع الصلح.
وكان يحيط بالقلعة سور آخر غير سور المدينة، كما يقول الباحث التاريخي الموصلّي ميسر محمد الحاصود، ولها بابان للدخول والخروج، أحدهما يؤدي إلى الميدان الذي أمامها ويسمى باب القلعة والثاني يؤدي إلى النهر ويسمى باب السر.
تحكي قلعة باشطابيا -وغيرها من مواقع أثرية وحضارية يرجع تاريخ البعض منها إلى مئات السنين قبل الميلاد وأخرى بعد الميلاد- قصة الحضارة والإنسان الذي سكن هذه المواقع وعمّرها، لتدلنا على ما قدمته للبشرية من ثروة عمرانية وحضارية وثقافية ما تزال خالدة حتى اليوم.
لؤلؤة الموصل
وتعرّضت باشطابيا للإهمال الحكومي بالإضافة الى أنها تضررت كثيرا نتيجة العمليات العسكرية التي شهدتها المحافظة بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وبعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة عام 2014، وما رافق عمليات تحريرها عام 2017، فضلا على أنها كانت شاهدة على انتهاكات تنظيم الدولة ضدّ سكان الموصل.
سعت الجهات الحكومية خلال عام 2013 إلى تحويل القلعة لموقع سياحي؛ إلا أن سيطرة التنظيم على المدينة عام 2014 أبطلت المشروع، وفقا لمصعب محمد جاسم مفتش الآثار في مفتشية آثار نينوى، وبعد تحريرها تم إعداد الخطط والدراسات اللازمة بكشف تخميني مُتكامل لصيانة ما تبقى منها بشكل لا يؤثر على القيمة الأثرية لها.
وستُستثمر قلعة باشطابيا كمنطقة سياحية لاستقبال الزوار والسائحين ضمن مشروع كبير جدا أطلق عليه “لؤلؤة الموصل” وتشمل هذه المنطقة القلعةَ، إضافة إلى مزار الإمام يحيى أبو القاسم بتصميمه المعماري الإسلامي الفريد من نوعه الذي تم تجريفه بالكامل من قبل التنظيم مع كنيسة الطاهرة الكلدان وهي من أقدم كنائس المدينة، وأيضا بناية “قره سراي” الأثرية.
وستُشكل هذه المعالم الأربعة البارزة منطقة سياحية مهمة لمحافظة نينوى، وهي بمثابة تحوّل تاريخي وثقافي لها، وفق وصف جاسم للجزيرة نت، الذي أكد دخول المشروع مرحلته الأولى، لتكون بقعة جذب مهمة للسائحين مستقبلا.