بدأت نتفليكس عرض الموسم الثالث من مسلسل الإثارة “أنت” (You)، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعلى خلاف التوقعات حقق العمل نسب مشاهدة مرتفعة بل وسرعان ما صار محل جدال على منصات التواصل قبل أن ينتهي تاركا محبينه بانتظار الموسم الرابع.
التحدي الأول
كانت أحداث الموسم الثاني قد انتهت بزواج “جو” من “لاف”، إذ اضطر لعدم قتلها بسبب حملها، ومن ثَمّ انتقلا إلى مكان جديد لتربية طفلهما، لكن مع المشهد الأخير نكتشف أنه لم ولن يتغير أبدا وأن بحثه عن توأم روحه لا نهائي.
وهي النهاية المثالية التي جعلت الكثير من الجمهور لا يهتم بمعرفة ما سيحدث بعد ذلك، إذ ما الجديد الذي قد يقدمه موسم آخر غير ما سبق عرضه؟ الأمر الذي وضع كُتاب العمل أمام تحدٍّ لا مفر منه.
الغوص نحو الأعماق
غموض وتشويق وكثير من الجثث وجرائم القتل، كل هذا يُغلفه الحب، هذا هو ما دار حوله الموسمان الأول والثاني، لكن مع بداية الموسم الثالث وجد المشاهدون أنفسهم يغوصون نحو الأعماق فيما تنتظرهم دراما أكثر إنسانية، إذ حان وقت التعرّف أكثر إلى الأبطال وخلفياتهم واكتشاف كيف ولماذا وصلوا إلى ما صاروا عليه.
بل إننا نرى الزوجين كذلك، بينما يحاربان اكتئاب ما بعد الولادة كل بطريقته، فـ”جو” بعد أن أصبح أبا ورغم رغبته بأن يكون شخصا أفضل من أجل ابنه، وحرصه على ألا يُعرّضه للمصير المظلم الذي اضطر هو إلى خوضه صغيرا، فإنه يفاجأ بعدم قدرته على التواصل مع الطفل أو الشعور به وابتعاده عنه عاطفيا، وهو ما يزعجه ويجعله يشعر بمزيد من الوحدة والعزلة خاصة أن من يعيشون حوله لا يشبهونه في شيء.
أما “لاف” فهي الأخرى كما يليق بأم جديدة، مرهَقة، مستنزَفة، ووحيدة خاصة بعد وفاة شقيقها التوأم، تجد نفسها وقد تحولت إلى نسخة تعيسة منها في ظل ابتعاد زوجها عنها عاطفيا ونفسيا، الفارق بينها وبين زوجها أن الأمومة لا تغيرها، فتظل متسرعة ومتهورة، لتتسبب في جريمة القتل الأولى التي تقلب كل شيء رأسا على عقب.
المكان كبطل
لكن، أحداث هذا الموسم لا تتمحور حول جرائم القتل، وإن كانت هي ما تُغير مجرى العمل في كل مرة، فالأساس هنا هو محاولات الزوجين الحثيثة لإنجاح علاقتهما حتى أنهما يذهبان إلى معالجة نفسية للبحث عن حل، وهو ما يتزامن مع الكشف عن جذور متآكلة بماضي كل منهما وعلاقات أسرية مشوهة كانا ضحيتها ونجمت عنها شخصيتهما الحاليتان غير السويتين.
لنجد أنفسنا هذه المرة أمام زوجين تعيسين ووحيدين يقتلان بدم بارد دون أي شعور بالذنب، لا يؤرقهما فقط سوى اضطرارهما للتخلص من الجثث، وكونهما نموذجا غير صحي كآباء لطفلهما.
وكعادة العمل، يلعب المكان دورا بطوليا خلال القصة، فبعد نيويورك بالموسم الأول ولوس أنجلوس بالثاني، ينتقل الثنائي إلى ضاحية هادئة في كاليفورنيا تعكس الحياة المعاصرة جدا بصورتها المثالية الخادعة، حيث رواد منصات التواصل المهووسين بالتكنولوجيا وبالصورة التي يخلفونها لدى الآخر، مما يجعلهم مزيفين وسطحيين ومملين، وهو ما يسمح بدوره إلى تطوير شخصيات الأبطال ويسمح بالتأسيس لجرائم جديدة ومنحها التبريرات اللازمة.
سلبيات تحتاج المعالجة
بسرد درامي تصاعدي ومتلاحق يبدأ الموسم الثالث، لكن بعد عدة حلقات من تلاحق الأنفاس، تبدأ وتيرة الأحداث بالتباطؤ ومع أداء الممثل بين بادغلي “البطل” الرتيب والمكرر وتعامله النمطي والمتوقع مع النساء اللاتي يعشقهن، يفقد العمل الكثير من سحره لفترة.
إلا أن القصة -لحسن الحظ- تبدأ بالتصاعد مرة أخرى، أنقذها الأداء المميز لفيكتوريا بيدريتي (البطلة) والخط الدرامي المرسوم لها الذي يقودنا إلى نهاية مشوقة وغير متوقعة.
وأمام انتهاء الموسم بتزييف البطل لموته وهروبه إلى مكان جديد هو باريس، يعود صناع العمل إلى المربع الأول ويصبح عليهم التفكير مليا كيف سيخرجون من فخ الإعادة والأداء المحفوظ والثقيل للبطل بعد أن عاد وحيدا ومركزا للأحداث.
التوقعات المرئية
أعلنت منصة نتفليكس مؤخرا تجديد المسلسل لموسم رابع وإن كانت لم تفصح عن أي تفاصيل، غير أن سيرا غامبل -أحد مؤلفي العمل- صرحت في مقابلة لها مع مجلة “إي أونلاين” (E! Online) أن الجزء المقبل سيشهد تغيرات ملحوظة وأكثر درامية.
ذلك لأن “جو” سيكون عليه التعامل مع التداعيات العاطفية التالية لتخليه عن ابنه والتخطيط إذا ما كان ينوي أن يراه أو يصبح جزءا من حياته مرة أخرى أم لا، وهو ما يكرس الكتاب أنفسهم للتفكير بشأنه ومناقشته سويا.
كذلك أشارت للاحتمالية المستقبلية لأن يدفع البطل ثمن جرائمه التي هرب منها طوال 3 مواسم، سواء كان ذلك يعني زجه في السجن أو ربما قتله! وهي الأفكار التي ما زالت نظرية حتى الآن، لكن سيأتي وقت ويصير طرحها إلزاميا.
من جهته، أعلن بادغلي في حوار أجراه مع موقع “كولايدر” (Collider) باعتقاده أن الموسم التالي سيكون مختلفا ومتمحورا أكثر حول علاقة “جو” بنفسه، فهو يرى أن العمل لا يدور حول قاتل وإنما عن النتائج التي تحدث حين يرتكب أحدهم أخطاء جسيمة بعلاقاته العاطفية بسبب إصراره على أن يكون كل شيء جيدا إلى أقصى حد ومثاليا تماما، وهو الأمر المستحيل على أرض الواقع.