منذ عام 2017، يحذر رجل الأعمال الصناعي والمخترع والملياردير، إيلون ماسك، من خروج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة، قائلا “إن الخطر الذي يُشكّله الذكاء الاصطناعي، أكبر من الخطر الذي تُشكّله كوريا الشمالية”. وقد سبقه الفيزيائي الشهير الراحل ستيفن هوكينغ بتحذير أطلقه -في مقابلة أجراها- عام 2014 حيث قال “إن تطوير الذكاء الاصطناعي بإمكانه إنهاء الجنس البشري”.

وبالتزامن مع اكتمال قرن من الزمان، أسهمت فيه أعمال الخيال العلمي -من المسرح إلى السينما- في بناء ثقافة كونية عن “الذكاء الاصطناعي”، بدءا من مسرحية “آر يو آر” (RUR) عام 1921 للكاتب والمخرج التشيكي كاريل شابك، حتى فيلم “فينش” (Finch) الذي صدر مؤخرا العام الجاري 2021 بطولة النجم الأميركي توم هانكس.

 

وفي مقال عن قوة الذكاء الاصطناعي ومخاطره -بصحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) البريطانية نُشر في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري- نقل المحرر إدوارد لوس تحذيرات السياسي المخضرم، ووزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر (98 عاما) في كتابه “عصر الذكاء الاصطناعي”.

إذ حذر كيسنجر من “مخاطر تحوّل التنافس المحموم، بين أميركا والصين، في مجالي الأسلحة النووية والذكاء الاصطناعي، إلى درجة غير مسبوقة في التاريخ”، وما قد يسببه من “حرب باردة جديدة”. كما نسب كاتب المقال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله، “إن من يقود الذكاء الاصطناعي سوف يسيطر على العالم”.

وهو ما نبه إليه فن المسرح والسينما على مدار 100 عام.

الذكاء الاصطناعي بدأ بكلمة “روبوت”

المسرحية التحذيرية “روبوتات روسوم العالمية- آر يو آر” (Rossum’s Universal Robots- RUR) التي عُرضت في براغ عام 1921، وأعيد تقديمها في شكل فيلم تلفزيوني عام 1938 عبارة عن دراما ألّفها كاريل شابك، أول من اخترع مصطلح “روبوت” أو “إنسان آلي”، محاولا لفت الأنظار إلى خطر السماح للتكنولوجيا بأن تستعبد البشر. ونجحت المسرحية في جعل العلاقة بين البشر والآلات “وثيقة الصلة جدا بواقع العالم اليوم”، كما يقول الناقد مايكل بيلينغتون.

وتدور أحداثها حول عالم يدعى “روسوم”، يخترع آلات شبيهة بالبشر، بل “قد تكون أكثر دقة وموثوقية منهم”، فيؤسس مصنعا لإنتاجها وتوزيعها في جميع أنحاء العالم. قبل أن يأتي عالم آخر ويسعى إلى جعل الروبوتات أكثر إنسانية، عن طريق إضافة سمات تدريجية إليها، مثل القدرة على الشعور بالألم. وبعد سنوات، تُصبح الروبوتات التي تم إنشاؤها لخدمة البشر، مهيمنة عليهم تماما وتهددهم بالانقراض.

و”بينما كانت الروبوتات في المسرحية تأخذ شكلا بشريا، ها نحن نراها الآن تستخدم كآلات في الواقع بالفعل”، كما يقول أنتوني ماكسيولا، كبير مسؤولي الابتكار في شركة استخبارات رقمية، مضيفا أنه “في الوقت الذي تركز فيه أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الحديثة على حقوق الإنسان مستهلكا للتكنولوجيا، فإن المسرحية ركزت على حقوق الإنسان الآلي”؛ وهو ما يحدث الآن بعد مرور 100 عام، في شكل الاهتمام بحماية البيانات الشخصية وأمن المعلومات التي بحوزته.

 

الذكاء الاصطناعي وقتل الروبوتات للبشر

يقول كيرتس سيلفر -محرر مجلة “فوربس” (Forbes)– إن مسرحية شابك “كانت أول من تحدث عن الذكاء الاصطناعي ممثلا في آلات تشبه الإنسان تماما وتسمى روبوتات”. وهذه الروبوتات يمكنها القيام بأضعاف العمل الذي يقوم به الفرد، بمقدار مرتين ونصف، مما يسمح لأصحابها من البشر بالاسترخاء. حتى تكتشف الروبوتات أنها أذكى وأقوى، وأن البشر كسالى وأنانيون وأغبياء ويجب تدميرهم، “وهو ما يحدث في ذروة المسرحية، حيث نرى الروبوتات تقتل جميع البشر”.

ليصبح شعار “البشر سيئون، يجب تدميرهم” قاسما مشتركا بين معظم أفلام الخيال العلمي التي تدور حول الذكاء الاصطناعي، في الـ100 عام الماضية. وكان آخرها في فيلم “آوتسايد ذا واير” (Outside the Wire)، الذي عرضته شبكة “نتفليكس” (Netflix) بداية هذا العام 2021. وتُطلق منظمة العفو الدولية “أمنستي” (Amnesty) في مطلع هذا الشهر “حملة من أجل حظر الروبوتات القاتلة”، بعد مرور قرن كامل على عرض المسرحية.

لذا، يقول سيلفر عن تأثير أفلام الخيال العلمي، “لقد تم ترسيخ وتثبيت تصور لن يتغير، عن الذكاء الاصطناعي والروبوتات في أدمغتنا؛ وهو ما يجعلنا نتوقع رؤية روبوتات ذكية عازمة على تدمير البشرية، خلال القرن القادم”.

 

تاريخ طويل من سحر الذكاء الاصطناعي المُحيّر

برغم التاريخ الطويل لسحر سينما الخيال العلمي، فقد “ظل مفهوم الذكاء الاصطناعي (AI) مُربكا ومثيرا للجدل، رغم المحاولات المستمرة لتكييف فكرته مع مخاوف العصر”، وفقا للناقد غاي لودج.

فمنذ فيلم “متروبوليس” (Metropolis) 1927 -للمخرج النمساوي فريتز لانغ- الذي قدم أول “روبوت أنثوي”، مرورا بالستينيات حيث أثرت أنظمة الكمبيوتر الواعدة بشدة على أذهان صانعي الأفلام، كما في فيلم “ألفافيل” (Alphaville) 1965 -للمخرج الفرنسي جين لوك غودارد- الذي بدا فيه السلوك البشري أكثر استبدادية في مواجهة الآلة، ثم فيلم “2001 – رحلة فضائية ” (2001 – A Space Odyssey) 1968، الذي أهدى جائزة أوسكار للمخرج ستانلي كوبريك، وشهد بدء الاعتداء القاتل من الآلة على البشر، حتى وصلت موجة الخوف من التكنولوجيا إلى ذروتها في أواخر السبعينيات مع المخرج البريطاني دونالد كاميل، وفيلم “بذرة الشيطان” (Demon Seed) 1977، بحسب لودج.

وفي الثمانينيات، قدم المخرج ريدلي سكوت النسخة الأولى من فيلم “بليد رانر” (Blade Runner) 1982، وتبعه المخرج جيمس كاميرون بباكورة سلسلة “المدمر” (The Terminator) 1984، في بداية لجيل من الأفلام التي تُوظف الذكاء الاصطناعي في مناهضة الاستبداد.

وبحلول مطلع الألفية، نجد أنفسنا أمام معالجة مختلفة للذكاء الاصطناعي، بدأتها شبكة نتفليكس بالرسوم المتحركة للمخرج براد بيرد، في فيلم “العملاق الحديدي” (The Iron Giant) 1999، الذي جعل الروبوت أفضل صديق للأطفال. وتبعه ستيفن سبيلبيرغ بنمط جديد اتسم بالرومانسية الساحرة، في فيلمه “إيه. آي. الذكاء الاصطناعي” (A.I. Artificial Intelligence) 2001، لنصل إلى الآونة الأخيرة، حيث “تبذل سينما الخيال العلمي قصارى جهدها لضبط العلاقة بين الإنسان والآلة”، حسب ما يقول لودج.