تطرق الشمس نوافذ الأقصى في كل صباح، وتتسلل أشعتها الدافئة عبر الجبس المعشق بالزجاج لتصطبغ بألوانه الزاهية.
ونوافذ الأقصى شاهد يحكي قصة من قصص فنون العمارة الإسلامية بلوحاتها الفنية التي تتسمر أمامها أقدام المتأملين في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والرسوم البديعة والأشكال الهندسية الدقيقة.
وتفتح ست وخمسون نافذة الباب لضوء الشمس من لحظة استدارة قرصها في الشروق إلى وقت الغروب لترسم في الداخل صورا من الظل الشفيف للزخارف التي تتشكل منها هذه الشبابيك.
صُممت نوافذ المصلّى القبلي الذي يبلغ سمك جداره نحو متر لتكون من جهتين واحدة خارجية مصممة بأشكال هندسية من الجبس المعشق بالزجاج الشفاف وأخرى داخلية مزخرفة بالزجاج الملون بصور النباتات وبالرسوم الهندسية.
وتقول دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس إن حوالي عشر نوافذ في المسجد الأقصى لحقت بها أضرار خلال مواجهات في ساحات المسجد قبل عدة أشهر.
وشرح بسام الحلاق مدير دائرة الإعمار في الأقصى؛ طبيعة النوافذ في المسجد المعروفة بالجبس المعشق بالزجاج الملون. وقال: “هذه الشبابيك تصنع في ورشة الإعمار بيد فنيين فلسطينيين وبنفس الوقت كله شغل يدوي ما بدخل فيه أي شي كهربائي من هيك تقريبا. كل شباك يستغرق حوالي ستة شهور شغل”.
ومضى قائلا “الشبابيك الجبسية عبارة عن نوعين.. شبابيك داخلية وشبابيك خارجية، الشبابيك الداخلية تتكون من زخارف عبارة عن أشكال نباتية أما الشبابيك الخارجية فهي أشكال هندسية ومعظمها دوائر”. وفسر الحلاق سبب وجود شباكين واحد خارجي والثاني داخلي بالسماح بانسياب أشعة الشمس إلى داخل المسجد حماية الشباك الداخلي المزخرف من العوامل الطبيعية.
وأوضح أن 98 بالمئة من نوافذ الأقصى تم تجديدها على يد فنيين فلسطينيين مهرة بعد حريق سنة 1969 الذي أتى على أجزاء من المسجد في ذلك الوقت.
وأشار إلى أن دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس لديها الرسومات الأصلية لزخارف النوافذ.
وقال: “عندما يتم ترميم نافذة أو عمل نافذة بديلا عن واحدة تعرضت للكسر يتم تركيبها بحيث تكون صورة طبق الأصل من حيث ألوان الزجاج أو شكل الزخارف”.
وأضاف: “في قبة الصخرة هناك 16 شباك جبس في رقبة القبة من المنطقة العلوية وهذه لم تتعرض لأي كسر”.
ويعمل على ترميم النوافذ أربعة فنيين من بينهم عدنان تفكجي (67 عاما) الذي أمضى قرابة 42 عاما من عمره في هذا العمل.
قال تفكجي خلال عمله على ترميم إحدى النوافذ في غرفة بسيطة بساحة المسجد الأقصى إنه يقوم بصب الجبس على لوح خشبي بمقادير معينة بحيث يبقى الجبس طريا لتسهيل حفر الزخارف عليه.
ويتولى علاء المحتسب (65 عاما)، الذي يعمل في هذا المكان منذ 1979، تجميع قطع الزجاج الصغيرة الملونة في أماكنها على الزخارف أو بالأشكال الهندسية مثلما كانت في صورتها الأصلية.
يعرب المحتسب عن سعادته بهذا العمل رغم مشقته ويقول إنه “عمل مرهق جدا ولكنني أشعر بمتعة دائمة وأنا أقوم به”.
والناظر إلى نوافذ المسجد الأقصى يظن أنها معمولة بشكل كامل من الزجاج حيث أن الطريقة الفنية التي يتم فيها حفر الجبس بشكل مائل تعمل على إخفاءه وإظهاره كأنه معمول من الزجاج الملون بشكل كامل.