بلغ التضخم في الولايات المتحدة الأميركية ذروته متجاوزا نسبة 6% على أساس سنوي، وهي نسبة لم تسجل طوال العقود الثلاثة الماضية، فهل تستمر هذه الحالة لفترة طويلة أم أنها أزمة مؤقتة؟

في تقرير نشرته صحيفة “إزفيستيا” الروسية، يقول الكاتب ديمتري ميغونوف إن أسعار السلع والخدمات شهدت ارتفاعا قياسيا في الولايات المتحدة ومعظم دول العالم، وحطمت الأرقام المسجلة خلال العقد الماضي على الأقل.

 

ووفقا لبيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي، بلغ التضخم في أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري 6.2% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، ولم تسجل الولايات المتحدة مثل هذه النسبة منذ عام 1990، وارتفعت الأسعار بشكل حاد مقارنة بسبتمبر/أيلول، حيث زادت بنسبة 5.4%.

وحسب الكاتب، فإن زيادة أسعار السلع والخدمات تعود أساسا إلى ارتفاع أسعار الطاقة، والتي زادت بنسبة 4.8% على أساس شهري، وقد تجاوزت نسبة التضخم الأساسي -الذي لا يشمل أسعار السلع المتقلبة مثل الطعام والوقود- عتبة 4%.

وسجلت أسعار العقارات بدورها ارتفاعا ملحوظا، مما يشير -وفقا للكاتب- إلى أن نسبة التضخم سترتفع أيضا في قطاع العقارات.

وشهدت الولايات المتحدة عام 2020 زيادة في الأجور بالساعة بوتيرة فاقت ارتفاع الأسعار، لكن بدخول الربيع انقلب الوضع رأسا على عقب، ورغم دخول الأجور المنطقة الإيجابية في سبتمبر/أيلول من العام الجاري فإن آثار انخفاض الدخل الحقيقي أصبحت أكثر حدة من التضخم في حد ذاته، حسب الكاتب.

هل التضخم الحالي مؤقت؟

منذ فترة طويلة يعتمد نظام الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة نسبة 2% كحد أقصى للتضخم، وخلال العقود الثلاثة الماضية لم يتجاوز التضخم هذه النسبة إلا في فترات محدودة، ومنها الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم عام 2008، حيث بلغت النسبة 4%.

وفي منطقة اليورو حيث ترتفع الأسعار عادة بوتيرة بطيئة بلغت نسبة التضخم في سبتمبر/أيلول الماضي 3.4%، وفاقت 4.1% في أكتوبر/تشرين الأول، أما في روسيا فارتفعت الأسعار في أكتوبر/تشرين الأول بنسبة 7.78% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، في حين بلغ التضخم نسبة 20% في بعض الدول، مثل تركيا.

ويرى المسؤولون في نظام الاحتياطي الفدرالي الأميركي والبنوك المركزية الأخرى والعديد من خبراء الاقتصاد أن التضخم الذي يشهده العالم حاليا ظاهرة مؤقتة ترتبط بأزمة كوفيد-19 وتوقف سلاسل الإنتاج والنقل.

ماذا يقول الخبراء؟

يشبه الخبير الاقتصادي الأميركي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد بول كروغمان ارتفاع الأسعار الحالي بما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتحديدا بين عامي 1946 و1948.

في المقابل، يقارن آخرون الوضع الراهن بارتفاع معدلات التضخم عام 2011، ويرون أن العامل الرئيسي هو زيادة عبء الديون بشكل غير مسبوق على الحكومات والقطاع الخاص.

لكن المستثمر آدم شتراوس يرى أنه من غير المنطقي مقارنة الأزمة الحالية بما حدث عام 2011، وذلك بسبب الاختلاف الكبير في حجم الحوافز المالية.

ويعتقد شتراوس أن تراجع العولمة وانخفاض قيمة الدولار وأزمة الطاقة والارتفاع السريع في الأجور كلها عوامل تشير إلى استمرار حالة التضخم الحالية.

من جهته، يقول أنطون تاباخ كبير الخبراء الاقتصاديين في وكالة التصنيف الائتماني الروسية “إكسبرت را” (Expert RA) إنه لا يمكن لأحد أن يتوقع إلى متى ستستمر حالة التضخم.

ويعتقد تاباخ أن مسؤولي نظام الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة ليسوا في عجلة من أمرهم لاتخاذ إجراءات صارمة لوقف التضخم، لأنهم يرون أن الوضع الحالي يخدم مصالح الحكومة الأميركية.

أما بيوتر بوشكاريف المحلل الاقتصادي في مجموعة “تيلي ترايد” (Tele Trade) فيرى أن التضخم سوف يكون مؤقتا، ويقول في هذا السياق “على ما يبدو، لن يتكرر سيناريو السبعينيات ولن نشهد تضخما مطولا، لكن المرحلة الانتقالية والارتفاع المتسارع للأسعار قد يستمران سنتين أو 3 سنوات، وعليه قد ترتفع الأسعار بنسبة 50%، وقد تصل إلى 100% أو أكثر، بعد ذلك سيؤدي انخفاض القدرات الشرائية إلى توقف التضخم بشكل تلقائي”.

من جانبه، يعتقد الخبير المالي أرتيم أرزاماسيف أن تأثير أزمة الطاقة وتعطل سلاسل التوريد سيكون طويل المدى، وعليه من غير الممكن تجنب ارتفاع معدلات التضخم.

ويؤكد أرزاماسيف أن رفع أسعار الفائدة من البنك المركزي الروسي هو الحل الأكثر فعالية لمكافحة ارتفاع الأسعار.