نعت نقابة الفنانين السوريين، أمس الثلاثاء، الفنان السوري صباح فخري عن عمر ناهز 88 عاما، تاركا خلفه إرثا كبيرا من “الفن الأصيل”.
صباح فخري من مواليد الثاني من مايو/أيار 1933، واسمه صباح الدين أبو قوس، وفخري ليست نسبته الحقيقية، إنما جاءت لقبا وتقديرا نسبة للفنان فخري البارودي الذي رعى موهبته.
ولد فخري في قرية القصيلة في أحد أحياء حلب القديمة، حيث كان محاطا بعدد من شيوخ الطرب “السميعة”، وهي مجموعة تملك ما يكفي من الخبرة في الاستماع وتقييم جودة الأصوات وخاماتها، وتعتبر هذه الفئة من صناع القدود الحلبية.
وأيضا وجد حوله عدد من المنشدين وقارئي القرآن الكريم، فتعلم أصول الطرب والغناء على أيديهم وتحت إشرافهم، كذلك لعبت مجالس “الخوانم” -وهو لقب يطلق على النساء الثريات في حلب- دورا مهما في صقل موهبته وذيوع شهرته، حيث كانت العادات الاجتماعية للسيدات في حلب آنذاك إقامة استقبالات فنية ساهرة وعامرة بالغناء تضم تجمعات من المعارف وكبار الشخصيات، وكانت الخوانم يطلبن من صباح الدين إحياء هذه الحفلات، بحسب ما ورد في كتاب “صباح فخري.. سيرة وتراث” للكاتبة السورية شذى نصّار.
أضافت شذى نصار “اشتهر صباح الدين بصوته منذ نعومة أظافره، وهناك روايات كثيرة عن عذوبة صوته حتى وهو رضيع، فقد كانت لصوته نغمة خاصة في البكاء، وفي سن مبكرة تمكن من ختم القرآن وتلاوة سوره في جوامع حلب وحلقات النقشبندية، مفتتحا أول تمارينه مع الشيخ بكري الكردي، أحد أبرز مشايخ الموسيقى، وتتلمذ على يد الشيخ علي درويش، والشيخ عمر البطش، ومجدي العقيلي، ونديم إبراهيم الدرويش، ومحمد رجب، وعزيز غنام”.
خلال طفولته، وتحديدا في سن الـ12 في عام 1946 غنى صباح الدين أمام رئيس الجمهورية السورية آنذاك شكري القوتلي وذلك أثناء زيارة الأخير لمدينة حلب على الرغم من أن صباح الدين كان ذا نشأة دينية لعائلة مسلمة ملتزمة حد التصوف، لذلك واجه معارضة عائلته بعد اختياره المضي في درب الغناء، وخلافا للتحديات الاجتماعية وإلى جانب دراسته العامة استطاع التخرج من المعهد الموسيقي الشرقي عام 1949.
بصمة خاصة في الصوت والألحان
استطاع فخري عبر مسيرته تحقيق العديد من النتاجات الفنية، فأصدر 5 أسطوانات كبيرة و20 كاسيتا (شريطا) صوتيا، إلى جانب العديد من الأسطوانات والكاسيتات المسجلة بشكل غير رسمي، ومن أعماله الأكثر شعبية، “مالك يا حلوة مالك” و”خمرة الحب اسقنيها” و”قدك المياس”، و”يا طيرة طيري يا حمامة”، و”آه يا حلو”، من التراث والفلكلور السوري.
واشتهر فخري بتلحين العديد من القصائد وغنائها، حيث لحّن وغنّى للعديد من الشعراء المعاصرين كان من أهمهم عبد الباسط الصوفي، وعبد الرحيم محمود، وفؤاد اليازجي، وأنطوان شعراوي وغيرهم كثير، كما كانت للشعراء القدامى حصة من صوته وألحانه، وعلى رأسهم أبو الطيب المتنبي، وأبو فراس الحمَداني، ومسكين الدارمي، وابن الفارض، وكذلك ابن زيدون، وابن زهر الأندلسي، ولسان الدين الخطيب.
له عدة أعمال فنية وسينمائية وتلفزيونية وإذاعية، أبرزها “الوادي الكبير” مع المطربة وردة الجزائرية، و”نغم الأمس” مع رفيق سبيعي وصباح الجزائري، وأسماء الله الحسنى مع عبد الرحمن آل رشي ومنى واصف وزيناتي قدسية، والمسلسل الإذاعي “زرياب”.
إنجازات وتكريمات عربية وعالمية
استطاع فخري تحقيق رقم قياسي عالمي عام 1968 من خلال غنائه على المسرح لمدة تجاوزت 10 ساعات متواصلة في مدينة كراكاس الفنزويلية.
نال فخري العديد من التكريمات وشهادات التقدير وكان أهمها: مفاتيح مدن لاس فيغاس وديترويت وميامي الأميركية مع شهادات تقديرية.
في مصر تم تأسيس جمعية فنية ضمت العديد من محبيه ومتابعيه تحت رقم 1329 وهي أول جمعية رسمية من نوعها تقام لفنان غير مصري.
أما في تونس فقدمت له “رسالة الأستذة” في العلوم الموسيقية الوحيدة في العالم والتي تدور حول ما قدمه فخري من ترسيخ للتراث الغنائي العربي وتحليل لنموذج من أعماله.
حصل أيضا على وسام تونس الثقافي عام 1975، وجائزة الغناء العربي المقدمة من دولة الإمارات وجائزة مهرجان القاهرة الدولي للأغنية، أما في بلده الأم سوريا ففي عام 1978 نال الميدالية الذهبية في مهرجان الأغنية العربية، ونال وسام الاستحقاق الذهبي من الدرجة الممتازة عام 2007 وذلك تقديرا لفنّه وجهده في الحفاظ على استمرارية التراث العربي الأصيل، وغيرها كثير من شهادات التقدير في معظم المهرجانات العربية الراعية للموسيقى.
شغل فخري عدة مناصب كان أهمها تعيينه لأكثر من مرة نقيبا للفنانين في سوريا، وتسلم منصب نائب رئيس اتحاد الفنانين العرب، وفي عام 1998 انتخب عضوا في مجلس الشعب السوري في دورته التشريعية السابعة لعام 1998 كما عُيّن مديرا عاما لمهرجاني الأغنية السورية الأول والثامن.
في سنواته الأخيرة، تردت حالته الصحية، وهو ما أحزن الجمهور العربي، ولا سيما بعد انتشار مقاطع مصورة له من إحدى الحفلات وإشراكه في برامج تلفزيونية وهو في حال يرثى لها لا تليق بمقامه، ما دفع بكثيرين إلى اتهام البعض باستغلال شعبيته.
ومع ذلك، سيبقى صباح فخري أحد أعلام الموسيقى في سوريا والعالم العربي، بعدما فرض نفسه على السجلات العالمية للمطربين كواحد من أهم مطربي الشرق، وقد استطاع عبر مسيرته الفنية رسم أساسيات الغناء الطربي، خاصة ما يعرف بالقدود الحلبية، التي صارت نهجا يتبعه العشرات من المطربين منذ عقود.